أُخْرَى، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ؛ فَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ رَاجِعَانِ إِلَى نَفْسِ الْإِنْعَامِ أَوِ الِانْتِقَامِ، وَهُمَا عَيْنُ الثواب والعقاب1، فالأوصاف المذكورة -إذن- يتعلق بها الثواب والعقاب.
والثاني: أن لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ لَا يَرْجِعَانِ إِلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَتَعَلُّقُهُمَا بِالصِّفَاتِ، إِمَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، أَوْ لَا: فَإِنِ اسْتَلْزَمَ، فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ، فَتَعَلُّقُ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ إِمَّا لِلَذَّاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ2، وَإِمَّا لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، تَعَالَى أَنْ يَفْتَقِرَ لِغَيْرِهِ أَوْ يَتَكَمَّلَ بِشَيْءٍ، بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَذُو الْكَمَالِ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، وَإِمَّا لِلْعَبْدِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ، لَا زَائِدَ3 يَرْجِعُ لِلْعَبْدِ إلا ذلك4.
__________
1 قد يقال: إن الثواب والعقاب أخص من الإنعام والانتقام؛ لأن الأولين منظور فيهما إلى الدار الآخرة، إما الإنعام وما معه، فكما يكون في الآخرة يكون في الدنيا، فقد يحمل في هذه الموارد على الإحسان في الدنيا والنوازل فيها، فلا يتم الدل يل إلا إذا كانا عين الثواب والانتقام، وقد عرفت ما فيه. "د".
2 سبق دليله، وهو أن ما وجب للشيء وجب لمثله، إلا أنه يبقى الكلام في قوله: "للذات هل ذات الصفة، فيكون عين شق الترديد السالف، أو ذات الشخص ذي الصفة فيأتي فيه نظير الدليل المقتضي للاستحالة، إلا أنه إذا كان الغرض هذا الأخير يقال: وهل الذات غير العبد الذي سيقول فيه: "إما للعبد"؟ فيجاب بأن العبد الذات المتصفة بصفة محبوبة أو مبغضة، فلا تأتي الاستحالة المشار إليها سابقا، إلا أنه حينئذ يكون هذا هو الاحتمال الثالث الذي تركه سابقا ونبهنا عليه. "د".
3 كذا في "ط" فقط، وفي غيره: "إذ لا يرجع.....".
4 كلام المصنف رحمه الله تعالى في صفتي الحب والبغض من التأويل المردود، وليس عن منهج السلف الصالح في إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته نبيه صلى الله عليه وسلم لربه؛ فإنه سبحانه نزه نفسه ثم أعقب ذلك بمدحه رسله؛ لأنه لا يصدر عنهم إلا ما يليق به جل جلاله، وذلك في قوله: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} .
ومن بين هذه الصفات التي وردت في الكتاب وصحيح السنة على وجه الإثبات الحب والبغض، وهي صفات الفعل لله عز وجل، نمرها كما جاءت من غير تأويل، وهي له سبحانه صفات =