وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا مُشْكِلٌ.
أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مَعَ التَّكْلِيفِ لَا يَتَلَازَمَانِ، فَقَدْ يَكُونُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى غَيْرِ الْمَقْدُورِ لِلْمُكَلَّفِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّكْلِيفُ وَلَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ، فَالْأَوَّلُ مِثْلُ الْمَصَائِبِ النَّازِلَةِ بِالْإِنْسَانِ اضْطِرَارًا1، عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَالثَّانِي كَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا، فَإِنَّهُ جَاءَ "أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا" 2، وَلَا أَعْلَمَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُ بِعَدَمِ إِجْزَاءِ صلاته إذا استكملت
__________
1 إنك إذا قرأت آيات الكتاب العزيز، وجدت أن الثناء والوعد بالثواب في مواضع الابتلاء إنما هو على الصبر والتسليم لله والرضى، فعليك بتتبع الآيات الكثيرة في سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت والأحزاب وغيرها، وكذا الأحاديث مثل: "إذا أحبّ الله قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط" وعليه، فليست المصائب والنوازل هي المثاب عليها، بل هو ما يقارنها أو يعقبها من الصبر والرضا، ولا شك أن ذلك مقدور للمكلف ومطلوب منه، فلا يتم له ما أراده هنا، وبه يعلم أيضا ما في قوله: "علم بها أو لم يعلم"، فإنه إذا لم يعلم لا يتأتى منه الصبر والرضا الذي يكون به الثواب، وسيأتي تتميم لهذا الكلام قريبا. "د".
قلت: وصرح العز بن عبد السلام في "القواعد الصغرى" "ص96" بما قاله المعلق: ونص عبارته: "لا أجر ولا وزر إلا على فعل مكتسب، فالمصائب لا أجر عليها لأنها غير مكتسبة، بل الأمر على الصبر عليها أو الرضى بها" ونحوه في "قواعد الأحكام" "1/ 115" له أيضا.
2 أخرج مسلم في "الصحيح" "كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، 4/ 1751/ رقم 2230"، عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما" وأخرج النسائي في "المجتبى" "كتاب الأشربة، باب ذكر الرواية المبينة عن صلوات شارب الخمر، 8/ 314، وباب ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر من ترك الصلوات، 8/ 316، وباب توبة شارب الخمر، 8/ 317"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الأشربة"، باب من شرب الخمر لم تقبل له صلاة، 2/ 1120-1121/ رقم 3377"، وأحمد في "المسند" "2/ 176، 189، 197"، والدارمي في "السنن" "2/ 111"، والبزار في "مسنده" "رقم 2936- زوائده" والحاكم في المستدرك" 1/ 30-31 و 4/ 146" عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: "لا يشرب الخمر رجل من أمتي فيقبل الله منه صلاة أربعين يوما" وإسناده صحيح.