كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ:
أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَعَبِ النَّفْسِ خُرُوجٌ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ، وَلَكِنَّ نَفْسَ التَّكْلِيفِ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَاتُ قَبْلَ التَّكْلِيفِ شَاقٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ "التَّكْلِيفِ"، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَقْتَضِي مَعْنَى الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: "كَلَّفْتُهُ تَكْلِيفًا" إِذَا حَمَّلْتَهُ أَمْرًا يَشُقُّ عَلَيْهِ وأمرته به، و"تكلفت الشَّيْءَ" إِذَا تَحَمَّلْتَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ، وَحُمِّلْتُ الشَّيْءَ تَكَلَّفْتَهُ إِذَا لَمْ تُطِقْهُ إِلَّا تَكَلُّفًا، فَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى مَشَقَّةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ إِلْقَاءٌ بِالْمَقَالِيدِ1، وَدُخُولٌ فِي أَعْمَالٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا.
وَالرَّابِعُ:
أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِمَا يَلْزَمُ2 عَمَّا قَبْلَهُ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ إِخْرَاجٌ لِلْمُكَلَّفِ عَنْ هَوَى نَفْسِهِ، وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى شَاقَّةٌ عَلَى صَاحِبِ الْهَوَى مُطْلَقًا، وَيَلْحَقُ الْإِنْسَانَ بِسَبَبِهَا تَعَبٌ وَعَنَاءٌ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ فِي الْخَلْقِ.
فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجَهٍ مِنْ حَيْثُ النطر إِلَى الْمَشَقَّةِ فِي نَفْسِهَا، انْتَظَمَتْ فِي أَرْبَعَةٍ3:
فَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَقَدْ تَخَلَّصَ فِي الْأُصُولِ، وَتَقَدَّمَ ما يتعلق به.
وأما الثاني: وهي:
__________
1 المقاليد: الخزائن والمفاتيح، انظر "اللسان" "مادة ق ل د 3/ 366".
2 المراد قد ينشأ عنه، لا أنه لا ينفك عنه، وإلا؛ لكان الأول يتعين فيه أن يلحق الإنسان فيه تعب ومشقة، كما قال هنا؛ وفي المسألة الثامنة في شرح الرابع، وهو يخالف قوله في الثالث: "ليس فِيهِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَعَبِ النَّفْسِ خُرُوجٌ عن المعتاد". "د".
3 أي: لأنه أدرج اثنين منها تحت الثاني، حيث جعله ضربين. "د".
قلت: نحو المذكور عند المصنف -مع اختلاف في العرض والعد وتشابه في المضمون- تراه في "قواعد الأحكام" "2/ 7، 8"، و"شرح الفروق" "1/ 119" لابن الشاط.

الصفحة 209