كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ:
فَإِنَّهُ لَا يُنَازَعُ فِي أَنَّ الشَّارِعَ قَاصِدٌ لِلتَّكْلِيفِ بِمَا يَلْزَمُ فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ مَا، وَلَكِنْ لَا تُسَمَّى فِي الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ مَشَقَّةً، كَمَا لَا يُسَمَّى فِي الْعَادَةِ مَشَقَّةً طَلَبُ الْمَعَاشِ بِالتَّحَرُّفِ1 وَسَائِرِ الصَّنَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مُعْتَادٌ لَا يُقْطَعُ مَا فِيهِ مِنَ الْكُلْفَةِ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ، بَلْ أَهْلُ الْعُقُولِ وَأَرْبَابُ الْعَادَاتِ يَعُدُّونَ الْمُنْقَطِعَ عَنْهُ كَسْلَانَ، وَيَذُمُّونَهُ بِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْمُعْتَادُ فِي التَّكَالِيفِ.
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُعَدُّ مَشَقَّةً عَادَةً، [وَالَّتِي تُعَدُّ مَشَقَّةً] 2، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْعَمَلُ يُؤَدِّي الدوامُ عَلَيْهِ إِلَى الِانْقِطَاعِ عَنْهُ، أَوْ عَنْ بَعْضِهِ، أَوْ إِلَى3 وُقُوعِ خَلَلٍ فِي صَاحِبِهِ، فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، فَالْمَشَقَّةُ هُنَا خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ، فَلَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ مَشَقَّةً، وَإِنَّ سُمِّيَتْ كُلْفَةً، فَأَحْوَالُ الْإِنْسَانِ كُلُّهَا كُلْفَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلَكِنْ جُعِلَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَيْهَا بِحَيْثُ تَكُونُ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ تَحْتَ قَهْرِهِ، لَا أَنْ يَكُونَ هُوَ تَحْتَ قَهْرِ التَّصَرُّفَاتِ، فَكَذَلِكَ التَّكَالِيفُ؛ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ التَّكْلِيفُ وَمَا تَضَمَّنَ من المشقة4.
__________
1 أي: باتخاذ الحرفة والصنعة.
2 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ومن نسخة "ماء/ ص 167".
3 في النسخ المطبوعة: "وإلى".
4 صفوة ما حرره القرافي في هذا الصدد من الفرق "الرابع عشر" أن المشاق قسمان: قسم لا تنفك عنه العبادة، كالوضوء في البرد، والمخاطرة بالنفس في الجهاد، فهذا القسم لا يوجب تخفيفا في العبادة لأنه قرر معها، ثانيهما: المشاق التي تنفك العبادة عنها، وهي ثلاثة أنواع متفق على اعتباره في الإسقاط أو التخفيف، ومتفق على عدم اعتباره لكونه ضعيفا، ومختلف فيه لتجاذب الطرفين له، والضابط في المشاق المؤثرة يرجع إلى اجتهاد الفقيه، وهو لا يكاد يصيب الحقيقة إلا أن ينظر إلى مقام العبادة وأهميتها في نفسها، ثم إلى مقدار التعب والضرر الذي يلحق المكلف من الدخول فيها. "خ".
الصفحة 214