كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَمَا جَاءَ فِي "إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ" 1.
وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 216] الْآيَةَ، وَذَلِكَ لِمَا فِي الْقِتَالِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَشَقَّاتِ، حَتَّى قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة} [التَّوْبَةِ: 111] ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
فَإِذَا كَانَتِ الْمَشَقَّاتُ -مِنْ حَيْثُ هِيَ مَشَقَّاتٌ- مُثَابًا عَلَيْهَا زِيَادَةً عَلَى معتادة التكليف، دل على أنها مقصودة لَهُ، وَإِلَّا، فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا ثَوَابٌ كَسَائِرِ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ يُكَلِّفْ بها، فأوقعها المكلف باختياره حسبما هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُبَاحِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَصْدِ الشَّارِعِ لِطَلَبِ الْمَشَقَّةِ بِالتَّكْلِيفِ؛ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ التَّكْلِيفَ إِذَا وُجِّه عَلَى الْمُكَلَّفِ يُمْكِنُ الْقَصْدُ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْصِدَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ مَشَقَّةٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ مصلحة وخير للمكلف عاجلا وآجلا.
__________
1 أخرج مسلم في "صحيحه" "كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره 1/ 219/ رقم 251" عن أبي هريرة مرفوعا: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط".

الصفحة 217