كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)
الْحَرِّ فَيَصُومُهُ1.
وَفِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ الْمُكَلَّفِ إِلَى التَّشْدِيدِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَسَائِرِ التَّكَالِيفِ صَحِيحٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَحَبُّوا الِانْتِقَالَ أَمَرَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالثُّبُوتِ لِأَجْلِ عِظَمِ الْأَجْرِ بِكَثْرَةِ الْخُطَا، فَكَانُوا كَرَجُلٍ لَهُ طَرِيقَانِ إِلَى الْعَمَلِ: أَحَدُهُمَا سَهْلٌ، وَالْآخَرُ صَعْبٌ، فأُمِرَ بِالصَّعْبِ ووُعِدَ عَلَى ذَلِكَ بِالْأَجْرِ، بَلْ جَاءَ نَهْيُهُمْ عَنْ ذَلِكَ إِرْشَادًا إِلَى كَثْرَةِ الْأَجْرِ.
وَتَأَمَّلْ أَحْوَالَ أَصْحَابِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّهُمْ رَكِبُوا فِي التَّعَبُّدِ إِلَى رَبِّهِمْ أَعْلَى مَا بَلَغَتْهُ طَاقَتُهُمْ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَصْلِهِمُ الْأَخْذُ بِعَزَائِمِ الْعِلْمِ، وَتَرْكِ الرُّخَصِ جُمْلَةً، فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ.
وَفِي "الصَّحِيحِ" أَيْضًا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بَيْتُهُ أَقْصَى بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ الصَّلَاةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَتَوَجَّعْنَا لَهُ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا فُلَانُ! لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا يَقِيكَ مِنَ الرَّمْضَاءِ وَيَقِيكَ مِنْ هوام الأرض؟ فقال: أم وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِي مُطْنَبٌ بِبَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَحَمَلْتُ بِهِ2 حَتَّى أَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَدَعَاهُ، فَقَالَ له مثل
__________
1 أخرجه ابن المبارك في الزهد" "رقم 1309 وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 260"، وابن أبي الدنيا في "الهواتف" "رقم 13"، وابن شاهين في "فضائل الأعمال" "رقم 133" بسند حسن، وحسنه شيخنا الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" "رقم 975".
وأخرج البزار في "مسنده" "1/ 488/ رقم 1039- زوائده" من وجه آخر عن ابن عباس، وحسنه شيخنا أيضا في "صحيح الترغيب والترهيب" "رقم 974".
وفي إسناد ابن شاهين عبد الله بن المؤمل المخزومي، وهو ضعيف.
قلت: وما بين المعقوفتين في الموطن الأول ساقط من "د"، وفي الموطن الأخير ساقط من الأصل.
2 في "ط": "به حملا".
الصفحة 224