كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَفِي نَحْوِهِ نُهِي عَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ أَوْ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ1،
وَقَالَ: "لَا يقضِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" 2.
وَفِي الْقُرْآنِ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النِّسَاءِ: 43] .
إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا نَهَى عَنْهُ بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ عَلَى كَمَالِهِ، فَإِنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى عَمَلِ الْعَبْدِ لِيَكُونَ خَالِصًا مِنَ الشَّوَائِبِ، وَالْإِبْقَاءُ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ فِي ترفُّهٍ وسعةٍ حالَ دخولِهِ فِي رِبْقَةِ التَّكْلِيفِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَسَادُ، وَلَكِنْ فِي الْعَمَلِ مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ، فَهَذَا أَيْضًا مَوْضِعٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الرخصة على الجملة، وينفصل الْأَمْرُ فِيهِ3 فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ زِيَادَةَ الْمَشَقَّةِ مِمَّا يَنْشَأُ عَنْهَا الْعَنَتُ، بَلِ الْمَشَقَّةُ فِي نَفْسِهَا هِيَ الْعَنَتُ وَالْحَرَجُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَهِيَ مِمَّا لَا يُقْدَرُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ عَادَةً.
__________
1 مضي تخريجه "1/ 489".
2 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأحكام، باب هل يقضي الحاكم أو يفتي وهو غضبان، 13/ 136/ 7158"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان 3/ 1342-1343/ رقم 1717"، والنسائي في "المجتبى" "كتاب آداب القضاة، باب ذكر ما ينبغي للحاكم أن يجتنبه، 8/ 237- 238"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الأحكام، باب لا يحكم الحاكم وهو غضبان، 2/ 776/ رقم 2316" من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
3 أي: في أي الأمرين أفضل، أهو الأخذ بالرخصة أم بالعزيمة؟ وقد شفى العليل في ذلك رحمه الله. "د".

الصفحة 231