كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: نَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ: قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. فَقَالَ: "إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي" 1.
وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ النَّهْيَ لِعِلَّةٍ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالنَّهْيُ دَائِرٌ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَإِذَا وُجِدَ مَا عَلَّلَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ النَّهْيُ مُتَوَجِّهًا وَمُتَّجِهًا، وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ، فَالنَّهْيُ مَفْقُودٌ، إِذِ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَيْدَانِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
ضَرْبٌ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ إِدْخَالِ نَفْسِهِ فِي الْعَمَلِ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْمُعْتَادِ، فَتُؤَثِّرُ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَسَادًا، أَوْ تُحْدِثُ لَهُ ضَجَرًا وَمَلَلًا، وَقُعُودًا عَنِ النَّشَاطِ إِلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ، كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْمُكَلَّفِينَ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَكِبَ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا فِيهِ ذَلِكَ بَلْ يَتَرَخَّصُ فِيهِ بِحَسَبِ مَا شُرِعَ لَهُ فِي التَّرَخُّصِ، إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، أَوْ يَتْرُكُهُ إِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ تَرْكُهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا يقضِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" 2، وَقَوْلُهُ: "إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" 3، وهو الذي أشار به عليه.
__________
1 أخرجه البخاري في "الصحيح" كتاب الصوم، باب الوصال، 4/ 202/ رقم 1964"،وإسحاق بن راهويه في "المسند" "4/ ق 77/ ب" ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" "4/ 282"- وأحمد في "المسند" "6/ 242، 258"، والفريابي في "الصيام" "29" وغيرهم.
2 مضى تخريجه "ص231"، وهو في "الصحيحين".
3 جزء من حديث، وفيه قصة ستأتي عند المصنف قريبا "ص247- 248" أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الصوم، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، 4/ 209/ رقم 1968، وكتاب الأدب، باب صنع الطعام والتكلف للضيف، 10/ 534/ رقم 6139"، ومسلم في صحيحه" "كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر، 2/ 813/ رقم 182".
الصفحة 239