وَيُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ دَخَلَ صَوَامِعَ الْمُنْقَطِعِينَ وَمَوَاضِعَ الْمُتَعَبِّدِينَ، فَرَأَى رَجُلًا يَبْكِي بكاء عظيما بسبب أن فاتته صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ لِإِطَالَتِهِ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيْلِ.
وَأَيْضًا، فَقَدْ يَعْجِزُ الْمُوغِلُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ عَنِ الْجِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْغِنَاءِ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ فِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يفرُّ إِذَا لَاقَى" 1.
وَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنَّكَ لتقلُّ الصَّوْمَ. فَقَالَ: "إِنَّهُ يَشْغَلُنِي عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وقراءة القرآن أحب إليَّ منه"2.
__________
1 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الصوم، باب صوم داود عليه السلام 4/ 224 / رقم 1979، 1980"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، 2/ 815/ رقم 1159 بعد 186" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
قال "خ": "لم تغضِ الشريعة عن حق الجسم وتترك شأنه لصاحبه الذي ربما تغالى به السعي في تكميل نفسه إلى أن يصرف عنه النظر جملة، بل رسمت له في سيره حدودا لا يسوغ له اختراقها ووقوفه عند هذه الحدود مما يجعله سائرا في سبيل لا يلاقي فيها عقبات ولا ينقطع به قبل الوصول إلى الغاية المطلوبة، وانظر إلى قوله في هذا الحديث: "ولا يفر إذا لاقى" بعد قوله: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا" فإن في ذلك إيماء إلى أن عدم سرد داود عليه السلام للصوم إنما هو ليتقوى بالفطر على واجب أعظم وهو جهاد العدو والصبر على مكافحته بقلب لا يجبن وعزم لا ينثني".
2 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "7903"، والطبراني في "الكبير" "9/ 195-197 / رقم 8868-8870، 8872، 8874، 8878" بأسانيد عنه، وبعضها صحيح، وانظر: "مجمع الزوائد" "2/ 257".