كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَالدُّعَاءُ أَيْضًا عِبَادَةٌ لَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ؛ أَعْنِي الْكَيْفِيَّاتِ الْمُسْتَفْعِلَةَ وَالْهَيْئَاتِ الْمُتَكَلَّفَةَ الَّتِي لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ الْأَدْعِيَةُ الَّتِي لَا تَجِدُّ مُسَاقَهَا فِي مُتَقَدِّمِ الزَّمَانِ وَلَا مُتَأَخِّرِهِ، وَلَا مُسْتَعْمَلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ، وَالَّتِي رُوعِيَ فِيهَا طَبَائِعُ الْحُرُوفِ فِي زَعْمِ أَهْلِ الْفَلْسَفَةِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ دُعَاءٍ كَتَسْلِيطِ الْهِمَمِ عَلَى الْأَشْيَاءِ حَتَّى تَنْفَعِلَ، فَذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتِ النَّقْلِ، وَلَا تَجِدَ لَهُ أَصْلًا، بَلْ أَصْلُ ذَلِكَ حَالٌ حُكْمِيٌّ وَتَدْبِيرٌ فَلْسَفِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ؛ هَذَا وَإِنْ كَانَ الِانْفِعَالُ الْخَارِقُ حَاصِلًا بِهِ، فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الصِّحَّةِ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَتَعَدَّى ظَاهِرًا بِالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ، بَلْ قَدْ يُوصَلُ بِالسَّحَرِ وَالْعَيْنِ إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ؛ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ صِرْفٌ، وتعدٍ مَحْضٌ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَزَلَّة قَدَمٍ لِلْعَوَامِّ وَلِكَثِيرٍ مِنَ الْخَوَاصِّ، فلْتُنَبَّهْ لَهُ.
فَصْلٌ:
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ وَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ، وَنَدَبَ1، وَتَصَرَّفَ بِمُقْتَضَى الْخَوَارِقِ مِنَ الْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ، وَالْإِلْهَامِ الصَّحِيحِ، وَالْكَشْفِ الْوَاضِحِ، وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ، كَانَ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ مِمَّنِ اخْتُصَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى
__________
1 أي: إنه صلى الله عليه وسلم رتب على فراسته ورؤياه وإلهاماته بشارة للبعض، ونذارة لآخر، وتصرفات في بعض الشئون، وهكذا؛ فمن فعل مثله صلى الله عليه وسلم كان على صواب في عمله، وقد علمت مما سبق أن صدق ذلك تابع لقوة المتابعة، ولذا قال: "فمن اختص بشيء.... إلخ" وقوله: "شرط ذلك"، أي: الآتي في المسألة التالية. "د".

الصفحة 446