كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)
ذَلِكَ حَسْبَمَا يُذْكَرُ بَعْدُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمَاءِ الَّذِي كُوشِفَ أَنَّهُ نَجِسٌ أَوْ مَغْصُوبٌ، وَإِذَا كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهَا بِحَيْثُ لَا يَنْخَرِمُ لَهُ أَصْلٌ شَرْعِيٌّ في الظاهر، بل يصير منتفلا مِنْ جَائِزٍ إِلَى مَثْلِهِ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ فَرَضْنَا مُخَالَفَتَهُ لِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْكَشْفِ إِعْمَالًا لِلظَّاهِرِ، وَاعْتِمَادًا عَلَى الشَّرْعِ فِي مُعَامَلَتِهِ بِهِ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَلَا لَوْمَ؛ إِذْ لَيْسَ الْقَصْدُ بِالْكَرَامَاتِ وَالْخَوَارِقِ أَنْ تَخْرِقَ أَمْرًا شَرْعِيًّا، وَلَا أَنْ تَعُودَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ بِالنَّقْضِ، كَيْفَ وَهِيَ نَتَائِجُ عَنْ اتِّباعه، فَمُحَالٌ أَنَّ يُنْتِجَ الْمَشْرُوعُ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، أَوْ يَعُودَ الْفَرْعُ عَلَى أَصْلِهِ بِالنَّقْضِ، هَذَا لَا يَكُونُ الْبَتَّةَ.
وَتَأَمَّلْ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، إِذْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا، فَهُوَ لِفُلَانٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا، فَهُوَ لِفُلَانٍ" 1، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَهِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْمَكْرُوهِ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَلَمْ يُقِمِ الْحَدَّ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ: "لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ" 2، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَيْمَانَ هِيَ الْمَانِعَةُ، وَامْتِنَاعُهُ مِمَّا هَمَّ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا تَفَرَّسَ بِهِ لَا حُكْمَ لَهُ حِينَ3 شَرِعِيَّةِ الْأَيْمَانِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بَعْدَ الْأَيْمَانِ مَا قَالَ الزَّوْجُ، لَمْ تَكُنِ الْأَيْمَانُ دَارِئَةً لِلْحَدِّ عَنْهَا.
وَالْجَوَابُ عَلَى4 السُّؤَالِ الثَّانِي: أَنَّ الخوارق وإن صارت لهم كغيرها،
__________
1 قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب التفسير، باب تفسير سورة النور 8/ 449/ رقم 4747" من حديث ابن عباس، ولفظ آخره: "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء" فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن".
وورد الحديث عن ابن مسعود وسهل بن سعد رضي الله عنهم بألفاظ متعددة.
2 انظر تخريج الحديث السابق.
3 في الأصل: "حينئذ"، وفي "ط": "مع".
4 في "ط": "عن".
الصفحة 470