كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)
وَلَا يُقَالُ: إِنَّ ثَمَّ مَدَارِكَ أُخَرَ يُخْتَصُّ بها الوالي، لَا يَفْتَقِرُ بِهَا إِلَى النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّا نَقُولُ: إِنْ كَانَ كَمَا قُلْتُ عَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِهِ، فَتِلْكَ الْمَدَارِكُ مِنْ جُمْلَةِ الْكَرَامَاتِ وَالْخَوَارِقِ؛ إِذْ لَا يَخْتَصُّ بِهَا إِلَّا مَنْ كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الْخَوَارِقِ الْمُشَاهَدَةِ، فَلَا بُدَّ إِذًا مِنْ حَكَمٍ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهَا، وَشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهَا، وَإِذْ ذَاكَ يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِدَعْوَى الْوِجْدَانِ، " [فَإِنَّ الْوِجْدَانَ] 1 مِنْ حَيْثُ هُوَ وِجْدَانٌ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى صحة ولا فساد2؛ لِأَنَّ الْآلَامَ وَاللَّذَّاتِ مِنَ الْمَوَاجِدِ الَّتِي لَا تُنْكَرُ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهَا أَوْ فَسَادِهَا شَرْعًا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهَا، فَالْغَضَبُ مَثَلًا إِذَا هَاجَ بِالْإِنْسَانِ أَمْرٌ لَا يُنْكَرُ كَالْمَوَاجِدِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَحْمُودًا إِذَا كَانَ غَضَبًا لِلَّهِ، وَمَذْمُومًا إِذَا كَانَ لِغَيْرِ الله، ولا يفرق بينهما3 إِلَّا النَّظَرُ الشَّرْعِيُّ؛ إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْغَضَبُ قَدْ أَدْرَكَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ مَحْمُودٌ لَا مَذْمُومٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالذَّمَّ رَاجِعَانِ إِلَى الشَّرْعِ لَا إِلَى الْعَقْلِ، فَمِنْ أَيْنَ أَدْرَكَ أَنَّهُ مَحْمُودٌ شَرْعًا؟ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَهُ كَذَلِكَ بِغَيْرِ الشَّرْعِ أَصْلًا، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَنْسُبَ تَمْيِيزَهُ إِلَى الْمُرَبِّي وَالْمُعَلِّمِ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ جارٍ فِيهِ أَيْضًا.
وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْكِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْخَوَارِقَ لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى كَسْبِهَا وَلَا عَلَى دَفْعِهَا؛ إِذْ هِيَ مَوَاهِبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عباده،
__________
1 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
2 كذا في الأصل و"ط"، وفي غيرهما: "صحته ولا فساده".
3 كذا في "ط"، وفي غيره: "بينها".
الصفحة 477