كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَالْمَالَ؛ فَيَجُوزُ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى الزِّنَى أَنْ يَقِيَ نَفْسَهُ بِهِ1 وَلِلْمَرْأَةِ إِذَا اضْطُرَّتْ وَخَافَتِ الْمَوْتَ وَلَمْ تَجِدْ مَنْ يُطْعِمُهَا إِلَّا بِبَذْلِ بُضعِها؛ جَازَ لَهَا ذَلِكَ؛ وَهَكَذَا سَائِرُهَا.
ثُمَّ إِذَا نَظَرْنَا إلى بيع الغرر مثلا وجدنا الْمَفْسَدَةَ فِي الْعَمَلِ [بِهِ] 2 عَلَى مَرَاتِبَ؛ فَلَيْسَ مَفْسَدَةُ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ كَمَفْسَدَةِ بَيْعِ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ الْحَاضِرَةِ الْآنَ وَلَا بَيْعِ الْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ، وَهُوَ مُمْكِنُ الرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةِ، وَكَذَلِكَ الْمَصَالِحُ فِي التَّوَقِّي عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتِ الطَّاعَةُ وَالْمُخَالَفَةُ تُنْتِجُ مِنَ الْمَصَالِحِ أَوِ الْمَفَاسِد أَمْرًا كُلِّيًّا ضَرُورِيًّا؛ كَانَتِ الطَّاعَةُ لَاحِقَةً بِأَرْكَانِ الدِّينِ، وَالْمَعْصِيَةُ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَإِنْ لَمْ تُنْتِجْ إِلَّا أَمْرًا جزئيا؛ فالطاعة3 لَاحِقَةٌ بِالنَّوَافِلِ وَاللَّوَاحِقِ الْفَضْلِيَّةِ، وَالْمَعْصِيَةُ صَغِيرَةٌ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَلَيْسَتِ الْكَبِيرَةُ فِي نَفْسِهَا مَعَ كُلِّ مَا يُعَدُّ كَبِيرَةً عَلَى وِزَانٍ وَاحِدٍ، وَلَا كُلُّ رُكْنٍ مَعَ مَا يُعَدُّ رُكْنًا عَلَى وِزَانٍ وَاحِدٍ أَيْضًا، كَمَا أَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ فِي الطَّاعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ لَيْسَتْ عَلَى وِزَانٍ وَاحِدٍ؛ بَلْ لكل منها مرتبة تليق بها.
__________
1 هذا القول حكاه بعضهم على إطلاقه وأخذ به سحنون، ولكنه شرط أن يكون المكره به هو المرأة نفسها، وأن لا يكون لها زوج، ومن حجة هذا المذهب أن قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَان} جعل الإكراه على القول عذرا ينبغي أن يلحق به الفعل، ويحكم له بحكمه؛ إما على الإطلاق، أو على شرط أن لا يتعلق به حق لمخلوق. "خ".
قلت: انظر تفصيل المسألة في: "تفسير القرطبي" "10/ 186"، و"أحكام القرآن" "3/ 1074"، لابن العربي، و"الطرق الحكمية" "47-49"و"بدائع الصنائع" "9/ 4484". و"الإكراه في الشريعة الإسلامية" "ص124 وما بعدها".
2 سقطت من "ط".
3 في "د": "فطاعة".

الصفحة 512