كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَالْمَيْسِرِ} [المائدة: 91] .
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى، وَجَمِيعُهُ يُشِيرُ بَلْ يُصَرِّحُ بِاعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ لِلْعِبَادِ، وَأَنَّ الْإِذْنَ دَائِرٌ مَعَهَا أَيْنَمَا دَارَتْ، حَسْبَمَا بَيَّنَتْهُ مَسَالِكُ الْعِلَّةِ1، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَادَاتِ مِمَّا اعْتَمَدَ الشَّارِعُ فِيهَا الِالْتِفَاتَ إِلَى الْمَعَانِي.
وَالثَّانِي:
أَنَّ الشَّارِعَ تَوَسَّعَ2 فِي بَيَانِ الْعِلَلِ وَالْحِكَمَ فِي تَشْرِيعِ بَابِ الْعَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ، وَأَكْثَرُ مَا عَلَّلَ فِيهَا بِالْمُنَاسِبِ الَّذِي إِذَا عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ3، فَفَهِمْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ قَصَدَ فِيهَا اتِّبَاعَ الْمَعَانِي، لَا الْوُقُوفَ4 مَعَ النُّصُوصِ، بِخِلَافِ بَابِ الْعِبَادَاتِ5، فَإِنَّ الْمَعْلُومَ فِيهِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَوَسَّعَ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، حَتَّى قَالَ فِيهِ بِقَاعِدَةِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ6، وَقَالَ فِيهِ بِالِاسْتِحْسَانِ7، ونُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّهُ تسعة أعشار
__________
1 وما ذكره من الأمثلة الثانية من باب مسلك التنبيه والإيماء الذي هو ترتيب الحكم على الوصف، فيفهم لغة أنه علة له؛ ولذا جعلوه من مسلك النص غير الصريح "د".
2 كمقابل لقوله في الوجه الثاني في العبادات: "ولكان ذلك يتسع في أبواب العبادات". "د".
3 هذا هو تعريف أبي زيد للمناسب، وعرفه غيره بأنه وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا للعقلاء، وهو حصول مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها، وقالوا: إن تعريف أبي زيد لا يمكن إثباته في المناظرة؛ إذ يقول الخصم لا يتلقاه عقلي بالقبول، وإن كان التعريفان متقاربين في المعنى "د".
4 في نسخة "ماء/ ص217": "بالوقوف".
5 ليكن على بالك ما قرره المصنف "1/ 111" أن تلمس "الحكم" في هذا الباب من ملح العلم لا من متنه عند المحققين، وهذا ما ذكره شيخ المصنف المقري في كتابه "القواعد" "2/ 406".
"6و 7" بيان المقام على وجه يشفي النفس يرجع فيه إلى كتاب "الاعتصام" "2/ 607وما بعدها -ط ابن عفان" للمؤلف في تحديدهما وتمثيلهما. "د". =

الصفحة 523