كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، وَأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَادَاتِ الِالْتِفَاتُ إِلَى الْمَعَانِي، فَإِذَا وُجِدَ فِيهَا التَّعَبُّدُ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالْوُقُوفِ مَعَ الْمَنْصُوصِ، كَطَلَبِ الصَّدَاقِ1 فِي النِّكَاحِ، وَالذَّبْحِ فِي [الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ2 فِي] الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ، وَالْفُرُوضِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الْمَوَارِيثِ، وَعَدَدِ الْأَشْهُرِ فِي الْعِدَدِ الطَّلَاقِيَّةِ وَالْوَفَوِيَّةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلْعُقُولِ فِي فَهْمِ مَصَالِحِهَا الْجُزْئِيَّةِ، حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي النِّكَاحِ مِنَ الْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، لِتَمْيِيزِ النِّكَاحِ عَنِ السِّفَاحِ، وَأَنَّ فُرُوضَ الْمَوَارِيثِ تَرَتَّبَتْ عَلَى تَرْتِيبِ الْقُرْبَى مِنَ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ الْعِدَدَ وُالِاسْتِبْرَاءَاتِ الْمُرَادُ بِهَا اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ خَوْفًا مِنْ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ، وَلَكِنَّهَا أُمُورٌ جُمْلِيَّةٌ، كَمَا أَنَّ الْخُضُوعَ وَالتَّعْظِيمَ وَالْإِجْلَالَ عِلَّةُ شَرْعِ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ لَا يَقْضِي بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ فِيهَا، بِحَيْثُ يُقَالُ: إِذَا حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ بِأُمُورٍ أُخَرَ مَثَلًا لَمْ تُشْتَرَطْ تِلْكَ الشُّرُوطُ، وَمَتَى عُلِمَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ لَمْ تُشْرَعِ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ وَلَا بِالْأَشْهُرِ، وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: وَهَلْ تُوجَدُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ التَّعَبُّدِيَّاتِ عِلَّةٌ يُفْهَمُ مِنْهَا مَقْصِدَ الشَّارِعِ. عَلَى الْخُصُوصِ أَمْ لَا؟
__________
1 تأمل، فإن فيه المعنى الذي أشارت إليه الآية: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ، أي: فالصداق والنفقة مكملان لحق القيامة والرياسة للأزواج عليهن، وسيأتي للمؤلف تعليله بتمييز النكاح عن السفاح، وإن كان قد يقال: إن الزنا فيه دفع مال من الزاني للبغي. "د".
2 أي: مع أن تطهير الرحم من الدم الذي هو مسكن الجراثيم المرضية غالبا قد لا يتوقف على خروجه من الودجين والحلقوم، وليراجع أهل الذكر في هذا فقد يكون له علة ومعنى مقصود. "د".
قلت: وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

الصفحة 525