كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا أُمُورُ التَّعَبُّدَاتِ، فَعِلَّتُهَا الْمَطْلُوبَةُ مُجَرَّدُ الِانْقِيَادِ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَلِذَلِكَ لَمَّا سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ، قَالَتْ لِلسَّائِلَةِ: "أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ " إِنْكَارًا عَلَيْهَا أَنْ يُسْئَلَ عَنْ مِثْلِ هَذَا؛ إِذْ لَمْ يُوضَعْ التَّعَبُّدُ أَنْ تَفْهَمَ عِلَّتَهُ الْخَاصَّةَ، ثُمَّ قَالَتْ: "كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ"1، وَهَذَا يُرَجِّحُ التَّعَبُّدَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْمَشَقَّةِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ فِي مَسْأَلَةِ تَسْوِيَةِ الشَّارِعِ بين دية الأصابع: "هي السنة با ابْنَ أَخِي"2، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَمَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ لَا عِلَّةَ.
وَأَمَّا الْعَادِيَّاتُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَيْضًا، فَلَهَا مَعْنًى مَفْهُومٌ، وَهُوَ ضَبْطُ وَجُوهِ الْمَصَالِحِ؛ إِذْ لَوْ تُرِكَ الناسُ والنظرَ لَانْتَشَرَ3 وَلَمْ يَنْضَبِطْ، وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إِلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ، وَالضَّبْطُ أَقْرَبُ إِلَى الِانْقِيَادِ مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيلٌ، فَجَعَلَ الشَّارِعُ لِلْحُدُودِ مَقَادِيرَ مَعْلُومَةً، وأسباب معلومة لا تتعدي، كالثمانين في القذف، والمئة وتغريب العام في الزنا على غير إخصان، وخص قطع اليد بالكوع4 وفي
__________
1 أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة 1/ 265/ رقم 335".
وقولها رضي الله عنها: "أحرورية أنت؟ " أي: أنت تنتسبين إلى الحروريين، وهم جماعة خالفوا عليا رضي الله عنه من الخوارج، يبالغون في العبادات، ينتسبون إلى حروراء، قرية بالكوفة على ميلين منها. "ماء / ص218".
2 نحوه في "معالم السنن" للخطابي "4/ 28"، و"فقه الإمام سعيد بن المسيب" "4/ 67"، وسيأتي بتمامه في "5/ 387".
3 أي: لتشتت وكثر فيه الخلاف والتفرق.
4 اختلف أهل اللغة فيه على أقوال:
الأول:
هو طرف الزند الذي يلي الإبهام، نقله الجوهري في "الصحاح" "3/ 1278"، وبه قال ابن السكيت، كما في "تهذيب اللغة" "3/ 41"، وكذا في "المحكم" "2/ 200" لابن سيده، و"الكليات" "5/ 124" للكفوي. =

الصفحة 526