كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

النِّصَابِ الْمُعَيَّنِ1، وَجَعَلَ مَغِيبَ الْحَشَفَةِ حَدًّا فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ، وَكَذَلِكَ الْأَشْهُرُ وَالْقُرُوءُ فِي الْعِدَدِ، والنصاب والحول في الزكوات، وَمَا لَا يَنْضَبِطُ رُدَّ إِلَى أَمَانَاتِ الْمُكَلَّفِينَ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسَّرَائِرِ، كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَسَائِرِ مَا لَا يُمْكِنُ رُجُوعُهُ إِلَى أَصْلٍ مُعَيَّنٍ ظَاهِرٍ، فَهَذَا مِمَّا قَدْ يُظَنُّ الْتِفَاتُ الشَّارِعِ إِلَى الْقَصْدِ إِلَيْهِ.
وَإِلَى هذا المعنى2 يشير أصل سد الذارئع، لَكِنْ لَهُ نَظَرَانِ:
نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ تَشَعُّبِهِ وَانْتِشَارِ وُجُوهِهِ إِذَا تَتَبَّعْنَاهُ، كَمَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ مَثَلًا، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ التَّكْلِيفَاتِ ثَبَتَ كَوْنُهَا مَوْكُولَةً إِلَى أَمَانَةِ الْمُكَلَّفِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلتفت مِنْهُ3 إِلَّا إلى المنصوص عليه.
__________
= الثاني:
هو طرف الزند في الذراع مما يلي الرسغ، نقله الليث، وقال: "هكذا زعمه أبو الدفيش الأعرابي، وهما كوعان، كذا في "تاج العروس" "22/ 141-142"، واللسان" "8/ 316، و"تهذيب اللغة" "3/ 41".
والثالث:
من الأقوال: أنه أخفاهما وأشدهما درمة، وهذا نقله الصاغاني في "العباب"، وفسر "الدرم" بالتحريك بأن لا يظهر للعظم حجم، وكذا في "التاج" "22/ 142".
فهذه ثلاثة أقوال في تفسير "الكوع" ذكرها الزبيدي في "القول المسموع في الفرق بين الكوع والكرسوع" "ص19-21"، والمراد والله أعلم من كلام المصنف القول الثاني.
1 يعني: نصاب القطع في السرقة.
2 أي: فقاعدة سد الذرائع -التي هي منع الشارع لأشياء لجرِّها إلى منهي عنه، والتوسل بها إليه- هذه القاعدة تلتئم وتتناسب تمام المناسبة مع المعنى، وهو ضبط وجوه المصالح خشية الانتشار وتعذر الرجوع إلى أصل شرعي، والضبط في هذا أقرب إلى الانقياد، لكن السد الذرائع نظران..... إلخ، أي: فلا يؤخذ هكذا بطريق كلي بل لا بد فيه من إدخاله تحت هذا الضابط الذي قرره. "د".
3 أي: من المعنى المذكور إلا ما نص عليه من الشارع بذكر ضوابطه؛ لأن كثيرا من التكاليف وَكَّلَها الشارع إلى أمانة المكلف، فلا نتوسع في ضبطها وتقييدها بحجة سد الذرائع وخوف الانتشار، والنظر الآخر أنه وإن انتشرت فروعه؛ لكن له ضوابط سهلة المأخذ يمكن التعويل عليها، فمتى أمكن إجراء الضوابط في مظانها أخذ بها وعول عليها، فيكون هذا توسطا بين الأمرين وإعمالا لكلا النظرين. "د".

الصفحة 527