كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)
وَالْإِمْكَانُ الْأَوَّلُ جَارٍ1 عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَوِّبِينَ، وَالثَّانِي جَارٍ2 عَلَى طَرِيقَةِ الْمُخَطِّئِينَ.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَالَّذِي تَلَخَّصَ3 مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْجِهَةَ الْمَرْجُوحَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةِ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا4 عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا مَعَ الْجِهَةِ الرَّاجِحَةِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ لَاجْتَمَعَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مَعًا عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ فَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ كُلِّهَا، سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَقُلْنَا: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَمْ لَا، فَلَا فَرْقَ إِذًا بَيْنَ مَا كَانَ مِنَ الجهات المرجوحة جارية عَلَى الِاعْتِيَادِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ، فَالْقِيَاسُ مُسْتَمِرٌّ، وَالْبُرْهَانُ مُطْلَقٌ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَذَلِكَ مَا أَرَدْنَا بَيَانَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَا تَكُونُ الْجِهَةُ الْمَغْلُوبَةُ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ بِالْقَصْدِ الثَّانِي، فَإِنَّ مَقَاصِدَ الشَّارِعِ تَنْقَسِمُ إِلَى ذَيْنَكَ الضَّرْبَيْنِ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَصْدَ الثَّانِيَ إِنَّمَا يَثْبُتُ إِذَا لَمْ يُنَاقِضِ الْقَصْدَ الْأَوَّلَ، فَإِذَا نَاقَضَهُ، لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ وَلَا بِالْقَصْدِ الثَّانِي، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي موضعه من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.
__________
"1، 2" علمت ما فيهما. "د".
3 في النسخ المطبوعة: "يلخص".
4 أي: في التكليف، لأن هذا هو محل الاتفاق، وهو مناط الاستدلال بعده. "د".
الصفحة 53