كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

فَإِنَّ الْأُصُولِيِّينَ مِمَّا يُجَوِّزُونَ كَوْنَ الْعِلَّةِ خِلَافَ مَا ظَهَرَ لَهُمْ، أَوْ كَوْنَ ذَلِكَ الظَّاهِرِ جُزْءَ عِلَّةٍ لَا عِلَّةً كَامِلَةً، لَكِنْ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِأَنَّ مَا ظَهَرَ مُسْتَقِلٌّ بالعلِّية، أَوْ صَالِحٌ لِكَوْنِهِ عِلَّةً، كافٍ فِي تَعَدِّي الْحُكْمِ بِهِ.
وَأَيْضًا فَقَدَ أَجَازَ الْجُمْهُورُ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِأَكْثَرِ مِنْ عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ1 وَكُلٌّ مِنْهَا مُسْتَقِلٌّ، وَجَمِيعُهَا مَعْلُومٌ، فَنُعَلِّلُ بِإِحْدَاهَا مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْأُخْرَى وَبِالْعَكْسِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْأُخْرَى فِي الْفَرْعِ أَوْ لَا تَكُونَ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يُمْنَعْ ذَلِكَ فِيمَا ظَهَرَ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، لَمْ يبقَ لِلسُّؤَالِ مَوْرِدٌ، فَالظَّاهِرُ هُوَ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَلَا عَلَيْنَا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ 2:
أَنَّ الْمَصَالِحَ فِي التَّكْلِيفِ ظَهَرَ لَنَا مِنَ الشَّارِعِ أَنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا:
مَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بِمَسَالِكِهِ الْمَعْرُوفَةِ، كَالْإِجْمَاعِ، وَالنَّصِّ، وَالْإِشَارَةِ، وَالسَّبْرِ3، وَالْمُنَاسَبَةِ، وَغَيْرِهَا، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الظاهر الذي
__________
1 انظر تفصيل ذلك في "المستصفى" "2/ 96"، و"الإحكام" "3/ 218" للآمدي، و"البحر المحيط" "3/ 210-211"، و"البرهان" "2/ 832" و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "20/ 167"، و"المسودة" "417"، و"صول الفقه وابن تيمية" "1/ 385-388"، و"كشف الأسرار" "4/ 45"، و"جمع الجوامع" "2/ 245-246 مع "شرح المحلي"، و"نشر البنود" "2/ 145-146"، و"إرشاد الفحول" "209".
2 هذا الوجه إنما يثبت اعتبار التعبد في نوع خاص مما اعتبر فيه المعاني دون التعبد، بخلاف الوجهين السابقين، فعامان في سائر فروعه، والوجه الرابع عام أيضا، وكذلك الخامس والسادس. "د".
3 مثاله أن يقول: المستدل في علة ربا الفضل العلة، أما الطعم، أو الاقتيات، أو الادخار، أو التقدير بالكيل، أو الوزن، ثم يستدل على إبطال اثنين منتفين كون الثالث هو العة، والحق مع من أنكر عده في مسالك العلة كان الوصف المبقي أن اشتمل على مصلحة، فإما أن تكون منضبطة للفهم أو كلية لا تنضبط، فالأول المناسبة، والثاني الشبه، وإن لم يشتمل على مصلحة أصلا، فهو الطرد. "خ".

الصفحة 532