كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

ذَاكَ يَكُونُ أَخْذُ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهَا مُتَعَبَّدًا بِهِ، وَمَعْنَى التَّعَبُّدِ بِهِ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدَّ الشَّارِعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.
وَالرَّابِعُ:
أَنَّ السَّائِلَ إِذَا قَالَ لِلْحَاكِمِ: لِمَ لَا تَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ؟ فَأَجَابَ بِأَنِّي نُهِيتُ عَنْ ذَلِكَ، كَانَ مُصِيبًا، كَمَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ: لِأَنَّ الْغَضَبَ يُشَوِّشُ عَقْلِي وَهُوَ مَظِنَّةُ عَدَمِ التَّثَبُّتِ فِي الْحُكْمِ، كَانَ مُصِيبًا أَيْضًا، وَالْأَوَّلُ جَوَابُ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ، وَالثَّانِي جَوَابُ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمَعْنَى، وَإِذَا جَازَ اجْتِمَاعُهُمَا وَعَدَمُ تَنَافِيهِمَا، جَازَ الْقَصْدُ إِلَى التَّعَبُّدِ، وَإِذَا جَازَ الْقَصْدُ إِلَى التَّعَبُّدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَالِكَ تَعَبُّدًا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَوَجُّهُ القصد إلا مَا لَا يَصِحُّ الْقَصْدُ إِلَيْهِ مِنْ مَعْدُومٍ أَوْ مُمْكِنٍ أَنْ يُوجَدَ أَوْ لَا يُوجَدَ، فَلَمَّا صَحَّ الْقَصْدُ مُطْلَقًا، صَحَّ الْمَقْصُودُ لَهُ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ جِهَةُ التَّعَبُّدِ، [وَهُوَ الْمَطْلُوبُ] 1.
وَالْخَامِسُ:
أَنَّ كَوْنَ الْمُصْلِحَةِ مُصْلِحَةٌ تُقْصَدُ بِالْحُكْمِ، وَالْمَفْسَدَةِ مَفْسَدَةٌ كَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالشَّارِعِ، لَا مَجَالَ2 للعقل فيه، بناء على قاعدة نفي
__________
1 ما بين المعقوفتين سقط في الأصل.
2 هذا ظاهر فيما إذا كان مسلك العلة الإجماع أو النص بقسميه أو المناسبة أيضا؛ لأنه لا بد في المعتبر منها أن يكون مؤثرا أو ملائما، وكل منهما لا بد أن يستند إلى نص أو إجماع؛ أما المؤثر؛ فهو ما اعتبر عينه في عين الحكم بنص كما في الحدث بالمس لقوله عليه السلام: "من مس ذكره فليتوضأ" * أو إجماع كولاية المال بالصغر، وأما الملائم فهو ما رتب الحكم على وفقه في الأصل مع ثبوت اعتبار عينه في جنس الحكم، أو جنسه في عين الحكم، أو جنسه في جنس الحكم بنص أو إجماع؛ وسمى ملائما لكونه مناسبا لما اعتبره الشارع، ومثاله الصغر في حمل نكاح الثيب الصغيرة على نكاح البكر الصغيرة في أن الولايات للأب عند الحنفية، ويبقى الكلام في السبر والتقسيم والدوران من أنواع المسالك، فعليك بالنظر فيها لتعرف هل يشملها كلامه، وأن المصالح فيها أيضًا بوضع الشرع. "د".
__________
* انظر تخريجه وطرقه في تعليقي على "الخلافيات" للبيهقي "2/ 244، مسألة رقم 20".

الصفحة 534