كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

الْمَسْأَلَةُ الْعِشْرُونَ:
لَمَّا كَانَتِ الدُّنْيَا مَخْلُوقَةً؛ لِيَظْهَرَ فِيهَا أَثَرُ الْقَبْضَتَيْنِ1، وَمَبْنِيَّةً عَلَى بَذْلِ النِّعَمِ لِلْعِبَادِ؛ لِيَنَالُوهَا وَيَتَمَتَّعُوا بِهَا، وَلِيَشْكُرُوا2 اللَّهَ عَلَيْهَا فَيُجَازِيهِمْ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى، حَسْبَمَا بيَّن لَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ الَّتِي عَرَّفَتْنَا بِهَذَيْنِ مَبْنِيَّةً عَلَى بَيَانِ وَجْهِ الشُّكْرِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ3، وَبَيَانِ وَجْهِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّعَمِ الْمَبْذُولَةِ مُطْلَقًا.
وَهَذَانِ الْقَصْدَانِ أَظْهَرُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِمَا، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النَّحْلِ: 78] .
وَقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23] .
__________
1 ورد في ذلك أحاديث كثيرة جدا عن جمع غفير من الصحابة رضوان الله عليهم، حتى قال الشيخ صالح المقبلي في "الأبحاث المسددة" -كما في "فتح البيان" "3/ 406" لصديق حسن خان: "ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك".
وتجد كثيرا من هذا الأحاديث في تفسير سورة الأعراف "آية 172" عند ابن جرير وابن كثير والسيوطي في "الدر المنثور" و"تفسير النسائي" "1/ 504-507"، والواحدي في "الوسيط" "2/ 424-425"، وفي "السنة" لابن أبي عاصم "باب ذكر أخذ ربنا الميثاق من عباده 1/ 87 وما بعدها، والسلسلة الصحيحة" "الأرقام 47-50، 848، 1623".
2 في الأصل: "ويشكروا".
3 وهو ما يشير إليه فيما بعد بقوله: "والثاني من جهة الوضع التفصيلي..... إلخ"، وقوله: وبيان وجه الاستمتاع بالنعم المبذولة مطلقا "أي: بوجه عام" سيشير إليه بقوله: "من جهة الوضع الكلي..... إلخ" والآيات من هذا النوع الثاني الكلي الإجمالي؛ أما التفصيل؛ فيكون بذكر تفاصيل الأحكام الشرعية وبيان ما يحل تناوله وما لا يحل..... إلخ. "د".

الصفحة 543