كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا وَضَعَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} [الْمَائِدَةِ: 103] .
وَقَوْلِهِ: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ} الآية [الأنعام: 138] .
فَذَمَّهُمْ عَلَى أَشْيَاءَ فِي الْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ اخْتَرَعُوهَا، منها مجرد التحريم، وهو المقصود ههنا.
وَأَيْضًا؛ فَفِي الْعَادَاتِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِهَةِ وَجْهِ الْكَسْبِ وَوَجْهِ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مُحَافَظٌ عَلَيْهِ شَرْعًا أَيْضًا، وَلَا خِيَرَةَ فِيهِ لِلْعَبْدِ، فَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى صَرْفًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ، حَتَّى يَسْقُطَ حَقُّهُ بِاخْتِيَارِهِ في بعض الجزئيات1، لا في
__________
1 نستفيد من هذا أمورا مهمة؛ هي:
أولا:
أن ناحية التعبد موجودة في كل حكم، حتى في الإباحة والحقوق، سواء كان معقول المعنى، بيِّنَةٌ حكمتُهُ أم غير معقول.
ثانيا:
حق الله وحق الفرد متلازمان، إذا وجد أحدهما وُجِد الآخر؛ فهما دائمان مجتمعان.
ثالثا:
بهذا لا ينفصل المعنى الديني عن كل معاملة أو تصرف؛ أداء لحق الله في صدق العبودية.
رابعا:
أن طبيعة الحق الفردي في الإسلام ليس فرديا خالصًا؛ بل هو حق مشترك، وتثبت له صفة مزدوجة هي الفردية والجماعية في وقت معًا.
أما الفردية؛ فلأن الحق ليس بذاته وظيفة، بل هو ميزة تخول صاحبها الاستئثار بثمرات حقه؛ فحق الفرد أصلا شخصي.
وأما الجماعية؛ فتبدو في تقييد هذا الحق بمنع اتخاذه وسيلة إلى الأضرار بغيره فردًا أو جماعة، قصدا أو بدون قصد، بالنظر إلى نتائج استعماله، كما سيأتي مفصلا عند المصنف.
وما يحسن إيراده هنا ما ذكره أستاذنا الشيخ محمد المبارك رحمه الله تعالى في كتابه "ذاتية الإسلام" "ص10"، قال بعد كلام: "فالتشريع الإسلامي بالإضافة إلى موضوعيته وتنظيمه على أسس ظاهرة وضوابط موضوعية له جذور خلقية في النفس، وأصول اعتقادية تغذية وتمده وتدعم =

الصفحة 545