كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:
كُلُّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ؛ فَلَا خِيَرَةَ فِيهِ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى حَالٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ؛ فَلَهُ فِيهِ الْخِيَرَةُ.
أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَالدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ سَاقِطَةٍ وَلَا تَرْجِعُ لِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ كَثِيرَةٌ، وَأَعْلَاهَا الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ فِي مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ وَمَصَادِرِهَا؛ كَالطَّهَارَةِ عَلَى أَنْوَاعِهَا، وَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي أَعْلَاهُ الْجِهَادُ1، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنَ الْكَفَّارَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ2 حَقُّ الْغَيْرِ مِنَ الْعِبَادِ، وَكَذَلِكَ الْجِنَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا الْوِزَانِ، جَمِيعُهَا لَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ حَقِّ اللَّهِ فِيهَا أَلْبَتَّةَ، فَلَوْ طَمِعَ أَحَدٌ فِي أَنْ يُسْقِطَ طَهَارَةً لِلصَّلَاةِ أَيَّ طَهَارَةٍ كَانَتْ، أَوْ صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ، أَوْ زَكَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَبَقِيَ مَطْلُوبًا بِهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَقَصَّى عَنْ عُهْدَتِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ حَاوَلَ اسْتِحْلَالَ مَأْكُولٍ حَيٍّ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ3 ذَكَاةٍ، أَوْ إِبَاحَةَ مَا حَرَّمَ الشَّارِعُ مِنْ ذَلِكَ، أَوِ اسْتِحْلَالَ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَوْ صَدَاقٍ، أَوِ الرِّبَا، أَوْ سَائِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، أَوْ إسقاط حد الزنى أَوِ الْخَمْرِ أَوِ الْحِرَابَةِ، أَوِ الْأَخْذَ بِالْغُرْمِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْغَيْرِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا فِي مَجْمُوعِ الشَّرِيعَةِ؛ حَتَّى إِذَا كَانَ الْحُكْمُ دَائِرًا بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ؛ لَمْ يَصِحَّ لِلْعَبْدِ إِسْقَاطُ حَقِّهِ إِذَا أَدَّى إلى إسقاط حق الله.
__________
1 لأنه نهى عن المنكر، بل عن أنكر المنكرات، وتغيير له باليد؛ فإن الجهاد شرع لتكون كلمة الله هي العليا، فمن وقف في طريق ذلك؛ حق على المسلمين حربه حتى يذعن ويترك العناد. "د".
2 في الأصل: "وحق".
3 في "ط": "مثلا بغير".

الصفحة 101