كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)
مَقْصُودَ الشَّارِعِ مَا اقْتَضَتْهُ تِلْكَ الْعِلَلُ مِنَ الْفِعْلِ أَوْ عَدَمِهِ، وَمِنَ التَّسَبُّبِ أَوْ عَدَمِهِ1، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ؛ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّوَقُّفِ عَنِ الْقَطْعِ عَلَى الشَّارِعِ أَنَّهُ قَصَدَ كذا أو كذا2؛ إِلَّا أَنَّ التَّوَقُّفَ هُنَا لَهُ وَجْهَانِ مِنَ النَّظَرِ:
أَحَدُهُمَا:
أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ أَوِ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِلَّةِ تَحَكُّمٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَضَلَالٌ عَلَى غَيْرِ سَبِيلٍ، وَلَا يَصِحُّ3 الْحُكْمُ عَلَى زَيْدٍ بِمَا وُضِعَ حُكْمًا عَلَى عَمْرٍو، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِعَ قَصَدَ الْحُكْمَ بِهِ عَلَى زَيْدٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّا إِذَا لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمًا عَلَيْهِ، فَنَكُونَ قَدْ أَقْدَمْنَا عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّارِعِ؛ فَالتَّوَقُّفُ هُنَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ.
وَالثَّانِي:
أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَحْكَامِ الْمَوْضُوعَةِ شَرْعًا أَنْ لَا يُتَعَدَّى بِهَا مَحَالُّهَا حَتَّى يُعْرَفَ قَصْدُ الشَّارِعِ لِذَلِكَ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ عَدَمَ نَصْبِهِ دَلِيلًا عَلَى التَّعَدِّي دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّعَدِّي إذ لوكان عِنْدَ الشَّارِعِ مُتَعَدِّيًا لَنَصَبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا، وَوَضَعَ لَهُ مَسْلَكًا، وَمَسَالِكُ الْعِلَّةِ مَعْرُوفَةٌ، وَقَدْ خُبِرَ4 بِهَا مَحَلُّ الْحُكْمِ؛ فَلَمْ تُوجَدْ لَهُ عِلَّةٌ
__________
1 أي: في الأحكام الوضعية، وما قبله في الأحكام التكليفية؛ كما يرشد إليه تمثيله للقسمين وما يأتي بعد أيضا. "د".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "وكذا".
3 في الأصل ونسخة "ماء/ ص248" و"ط": "فلا يصح".
4 في الأصل: "جبر".
الصفحة 136