كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)
أَنَّهُ مَتَاعُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِذَا هُوَ مَتَاعُ الْغَاصِبِ نَفْسِهِ؛ فَلَا طَلَبَ عَلَيْهِ لِمَنْ قُصِدَ الْغَصْبُ مِنْهُ؛ وَعَلَيْهِ الطَّلَبُ مِنْ جِهَةِ حُرْمَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ تَكْلِيفٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ.
وَلَا يُقَالُ: إِذَا كَانَ فَوْتُ الْمَفْسَدَةِ أَوْ عَدَمُ فَوْتِ الْمَصْلَحَةِ مُسْقِطًا لِمَعْنَى الطَّلَبِ؛ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فِيمَا إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَلَمْ يَذْهَبْ عَقْلُهُ، أَوْ زَنَى فَلَمْ يَتَخَلَّقْ1 مَاؤُهُ فِي الرَّحِمِ بِعَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَقَّعَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ؛ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَلَا يَكُونَ آثِمًا إِلَّا مِنْ جِهَةِ قَصْدِهِ خَاصَّةً.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ [هَذَا] 2 الْعَامِلَ قَدْ تَعَاطَى3 السَّبَبَ الَّذِي تَنْشَأُ عَنْهُ الْمَفْسَدَةُ أَوْ تَفُوتُ بِهِ الْمَصْلَحَةُ، وَهُوَ الشُّرْبُ وَالْإِيلَاجُ الْمُحَرَّمَانِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُمَا مَظِنَّتَانِ لِلِاخْتِلَاطِ وَذَهَابِ الْعَقْلِ، وَلَمْ يَضَعِ الشَّارِعُ الْحَدَّ بِإِزَاءِ زَوَالِ الْعَقْلِ أَوِ4 اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، بَلْ بِإِزَاءِ تَعَاطِي أَسْبَابِهِ خَاصَّةً، وَإِلَّا فَالْمُسَبِّبَاتُ لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِ الْمُتَسَبِّبِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ فِعْلِ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَاللَّهُ هُوَ خَالِقُ الْوَلَدِ مِنَ الْمَاءِ، وَالسُّكْرِ عَنِ الشُّرْبِ كَالشِّبَعِ مَعَ الْأَكْلِ، وَالرِّيِّ مَعَ الْمَاءِ، وَالْإِحْرَاقِ مَعَ النار، كما تبين في موضعه، وإذ كان كذلك؛ فالمولج والشارب قد
__________
1 في الأصل: "يختلقه".
2 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
3 أي: بخلاف من فعل الموافق بقصد المخالفة في هذا القسم؛ فإنه لم يتعاط السبب في الواقع وإن كان قصد السبب المخالف، لكنه أخطأه. "د".
4 في الأصل: "واختلاط".
الصفحة 36