حُسْنِهَا أَعْنِي السَّلَفَ الصَّالِحَ وَالْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْأُمَّةِ "وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا؛ فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ"1؛ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ تَرْجَمَةِ الْمَسْأَلَةِ؛ إِذْ هِيَ أَفْعَالٌ مُخَالِفَةٌ لِلشَّارِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضَعْهَا مُقْتَرِنَةً بِقَصْدِ مُوَافِقٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إِلَّا الصَّلَاحَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الْبِدَعُ كُلُّهَا مَذْمُومَةً خِلَافَ الْمُدَّعَى.
فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ مِمَّا وَقَعَتِ التَّرْجَمَةُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْفِعْلَ مُخَالِفٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي وَضَعَهُ الشَّارِعُ، وَمَا أَحْدَثَهُ السَّلَفُ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ بِحَالٍ، بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ جَمْعَ الْمُصْحَفِ مَثَلًا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ2 بِالْحِفْظِ فِي الصُّدُورِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ اخْتِلَافٌ يُخَافُ بِسَبَبِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِيهِ نَازِلَتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؛ كَحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ هِشَامِ بن حكيم رضي الله عنهما3،
__________
1 سيأتي تخريجه "ص41".
2 أي لا لأنه نهي عنه حتى يكون للشارع فيه وضع مخصوص يعد من فعله مخالفا لما وضعه الشارع من النهي، بل كان الترك للاستغناء عنه. "د".
3 يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الخصومات، باب كلام الخصوم بعضهم في بعض، 5/ 73/ رقم 2419، وكتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، 9/ 23/ رقم 4992، وباب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا، 9/ 87/ رقم 5041، وكتاب استتابة المرتدين، باب ما جاء في المتأولين، 12/ 303/ رقم 6936، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ، 13/ 520، رقم 7550"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، 1/ 560/ رقم 818" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لبَّبته بردائه، فجئت بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقلت: يا رسول الله! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أرسله، اقرأ".
فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هكذا أنزلت". ثم قال لي: "اقرأ" فقرأت؛ فقال: "هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف؛ فاقرءوا ما تيسر منه". لفظ مسلم.