كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)
قِيلَ لَكَ: إِنْ فُرض أُولَئِكَ فِي زَمَانِ فَتْرَةٍ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَرِيعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ؛ فَالْمَقَاصِدُ الْمَوْجُودَةُ لَهُمْ مَنَازِعُ1 فِي اعْتِبَارِهَا بِإِطْلَاقٍ، فَإِنَّهَا كَأَعْمَالِهِمُ الْمَقْصُودِ بِهَا التَّعَبُّدُ؛ فَإِنْ قُلْتَ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ كَيْفَ كَانَ؛ لَزِمَ ذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ، وَإِنْ قُلْتَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ؛ لَزِمَ ذَلِكَ فِي القصد2.
وأيضا؛ فكلامنها فِيمَا بَعْدَ الشَّرَائِعِ لَا فِيمَا قَبْلَهَا، وَإِنْ فَرَضْنَا أَنَّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَتَرَاتِ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ3 بِبَعْضِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ فَذَلِكَ وَاضِحٌ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 4 يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَإِنْ خَالَفَتْ قَدْ تُعْتَبَرُ؛ فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ أَرْوَاحُ الْأَعْمَالِ؛ فَقَدْ صَارَ الْعَمَلُ ذَا رُوحٍ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ اعْتُبِرَ بِخِلَافِ مَا إِذَا خَالَفَ الْقَصْدُ وَوَافَقَ الْعَمَلُ، أَوْ خَالَفَا مَعًا؛ فَإِنَّهُ جَسَدٌ بِلَا رُوحٍ5؛ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 4 لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِي الْعَمَلِ.
قِيلَ: إِنْ سُلِّمَ؛ فَمُعَارَضٌ بُقُولِهِ عليه الصلاة والسلام: "كل عمل ليس
__________
1 أي: للمجتهدين أنظار مختلفة؛ فمنهم من يصححها، ومنهم من لا يصححها، وهي كأعمالهم المقصود بها التعبد، لا فرق بين مقاصدهم وأعمالهم في ذلك؛ فالمصحح لمقاصدهم مصحح لأعمالهم، وبالعكس. "د".
2 في الأصل: "الأصل".
3 أي: كما ورد عن زيد بن عمرو أنه قال: "اللهم! إني أشهدك أني على ملة إبراهيم"، وقوله: "فذلك واضح"؛ أي: لخروجه عن فرض المسألة، فإن عمله يكون موافقا كما أن قصده كذلك. "د".
4 مضى تخريجه "2/ 355".
5 أي: في صورة العمل الموافق والقصد المخالف، أما فيما خولفا معا؛ فلا روح ولا جسد. "د".
الصفحة 44