كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)

وَأَيْضًا؛ فَالْإِيمَانُ1 أَصْلُ الدِّينِ، ثُمَّ إِنَّكَ تَجِدُهُ وَسِيلَةً وَشَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ، حَسْبَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ، وَالشَّرْطُ مِنْ تَوَابِعِ الْمَشْرُوطِ؛ فَيَلْزَمُ إِذًا عَلَى مُقْتَضَى السُّؤَالِ أَنْ تَكُونَ الْأَعْمَالُ هِيَ الْأُصُولُ وَالْإِيمَانُ تَابِعٌ لَهَا، أَوَّلًا تَرَى أَنَّهُ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ، وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهَا؟ لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ التَّبَعِيَّةُ إِنْ ظَهَرَتْ فِي الْأَصْلِ جُزْئِيَّةً لَا كُلِّيَّةً.
وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إِنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ بِانْفِرَادِهَا يَتْبَعُهَا الْأُصُولُ، مِنْ حَيْثُ2 إِنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُسْتَوْفَى إِلَّا مِنَ الْأُصُولِ؛ فَلَا تَخْلُو الْأُصُولُ مِنْ إِبْقَاءِ يَدِ الْمُنْتَفِعِ عَلَيْهَا وَتَحْجِيرِهَا عَنِ انْتِفَاعِ صاحبها بها، كالعقد على الأصول سواء، وهي مَعْنَى الْمِلْكِ؛ إِلَّا أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، ومنقضٍ بِانْقِضَائِهَا؛ فَلَمْ يُسَمَّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي الْعُرْفِ مِلْكًا، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْعَادِيَّ وَالشَّرْعِيَّ قَدْ جَرَى بِأَنَّ التَّمَلُّكَ فِي الرِّقَابِ هُوَ التَّمَلُّكُ الْمُطْلَقُ الْأَبَدِيُّ، الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ إِلَّا بِالْمَوْتِ، أَوْ بِانْتِفَاعِ صَاحِبِهَا بِهَا أَوِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا.
وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ نَفْسَهُ مِنَ الذِّمِّيِّ3 لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ مَنْفَعَةَ الْمُسْلِمِ صَارَ كَأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ رَقَبَتَهُ، وَامْتَنَعَ4 شِرَاءُ الشَّيْءِ عَلَى شَرْطٍ فِيهِ تَحْجِيرٌ؛
__________
1 مثال شرعي للأصل وتوابعه يحقق فيه تبعية الأصل لهذه اللواحق باعتبار من الاعتبارات، وإن لم يكن مما نحن فيه. "د".
2 أي: من جهة هذه التبعية الجزئية التي تقتضي بعض أحكام التبعية الكلية، وهي هنا إبقاء يد المنتفع عليها، وقوله: "كالعقد على الأصول سواء"؛ أي: في خصوص هذا. "د".
3 قال ابن القاسم في "المدونة الكبرى" "3/ 444": "وقد بلغني أن مالكًا كره أن يؤاجر المسلم نفسه من النصراني".
4 في م: "ومنع".

الصفحة 444