كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)

وَالْعَادَةِ هُوَ الَّذِي جَاءَ فِي الشَّريعة الْقَصْدُ إِلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ؛ فَإِنَّ شِرَاءَ الْأَمَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي التَّسَرِّي إنْ كَانَتْ مِنْ عليِّ1 الرَّقِيقِ، أَوِ الْخِدْمَةِ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْوَخْشِ2، وَشِرَاءَ الْخَمْرِ لِلشُّرْبِ، وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ لِلْأَكْلِ، هُوَ الْغَالِبُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْعَرَبِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ حُذِفَ مُتَعَلِّقُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فِي نَحْوِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... } إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النِّسَاءِ: 23] ، فَوَجَّهَ التحليل والتحريم عل أَنْفُسِ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَفْهُومٌ.
وَكَذَلِكَ قَالَ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [الْبَقَرَةِ: 188] .
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النِّسَاءِ: 10] ، وَأَشْبَاهِهِ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا فِي غَيْرِ الْأَكْلِ لِأَنَّ أَوَّلَ الْمَقَاصِدِ وَأَعْظَمَهَا هُوَ الْأَكْلُ، وَمَا سوى ذلك ما يقصد بالتبع، ولا3 يُقْصَدُ فِي نَفْسِهِ عَادَةً إِلَّا بِالتَّبَعِيَّةِ لَا حُكْمَ لَهُ.
وَقَدْ وَرَدَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ وَأَخَوَاتِهَا، وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي شَحْمِ الْمَيْتَةِ: إِنَّهُ تُطْلَى بِهِ السُّفُنُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهِ النَّاسُ؛ فأوردَ مَا دَلَّ عَلَى مَنْعِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَعْذُرْهُمْ بِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ؛ لأن المقصود وهو الْأَكْلُ محرَّم، وَقَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحومُ فجَملوها؛ فَبَاعُوهَا وأكلوا أثمانها" 4.
__________
1 في "م": "على".
2 بفتح الواو وسكون الخاء والمعجمة: الدّنيء. "ف".
3 في "د": "وما لا".
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، 4/ 424/ رقم 2236، وكتاب التفسير، باب {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُر} ، 8/ 295/ رقم 4633"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، 3/ 1207/ رقم 1581" عن جابر عن عبد الله رضي الله عنه.
وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما سيأتي قريبًا.
قال "ف": "حرم الله عليهم من الشحوم ما يكون على الأمعاء والكرش والكلى من البقر والغنم، قال تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 164] ، وجملوها: أي: أذابوها، يقال: جمل الشحم: أذابه كأجمله واجتمله" ا. هـ.

الصفحة 460