كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)

الْوَجْهِ الْمَقْصُودِ فِيهَا هُوَ الَّذِي صَيَّرَهَا كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ مِهَادًا وَالْجِبَالِ أَوْتَادًا وَجَمِيعَ مَا أَشْبَهَهُ نِعَمٌ ظَاهِرَةٌ لَمْ تَتَغَيَّرْ1؛ فَلَمَّا صَارَتْ تُقَابَلُ بِالْكُفْرَانِ بِأَخْذِهَا عَلَى غَيْرِ مَا حُدَّ2 صَارَتْ عَلَيْهِمْ وَبَالَا، وَفِعْلُهُمْ فِيهَا هُوَ الْوَبَالُ فِي الْحَقِيقَةِ، لَا هِيَ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَعَانُوا بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ.
وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ جَرَى شَأْنُ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا مُثِّلَتْ أَصْنَامُهُمُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ فِي ضَعْفِهِ، تَرَكُوا التَّأَمُّلَ وَالِاعْتِبَارَ فِيمَا قِيلَ لَهُمْ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، وَأَخَذُوا فِي ظَاهِرِ التَّمْثِيلِ بِالْعَنْكَبُوتِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى الْمَقْصُودِ3، وَقَالُوا: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة: 26] ؛ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْحَقِيقَةِ السَّابِقَةِ فِيمَنْ شَأْنُهُ هَذَا بِقَوْلِهِ: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [الْبَقَرَةِ: 26] .
__________
1 في "ط": "لا تتغير".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "غير مأخذ".
3 أخرج الواحدي في "أسباب النزول" "ص14" من طريق عبد الغني بن سعيد الثقفي عن موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: 26] ، قال: وذلك أن الله ذكر آلهة المشركين، فقال: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} [الحج: 73] ، وذكر كيد الآلهة، فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا: أرأيتم حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد، أي شيء يصنع بهذا؟ فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ... } .
وإسناده ضعيف جدًّا، فيه عبد الغني، وهو واهٍ جدًّا، وذكر المشركين لا يلائم كون الآية مدنية، قاله السيوطي في "لباب النقول" "ص16".
وأخرج عبد الرزاق "1/ 41"، وابن جرير "1/ 177"، وابن أبي حاتم "1/ 93/ رقم 274"، كلهم في "التفسير" عن معمر عن قتادة، قال: لما ذكر الله العنكبوت والذباب، قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران!! فأنزل الله الآية، وحكاه الواحدي في "أسباب النزول" "ص14" نحوه عن الحسن وقتادة بلا إسناد بلفظ: "قالت اليهود".
وأخرجه ابن أبي حاتم "برقم 273"، وابن جرير "1/ 177" عن السدي بلفظ: "قال المنافقون"، وهو أنسب. وانظر: "4/ 212".

الصفحة 514