كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ؛ فَإِنَّهَا إِنْ فُرِضَ كَوْنُهَا خَادِمَةً لِلْمَأْمُورِ بِهِ فَهِيَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ كَمُلَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ، وَتَأْدِيبِ الْفَرَسِ، وَغَيْرِهِمَا، وَإِلَّا؛ فَخِدْمَتُهُمَا لِلْمَأْمُورِ بِهِ بِالْقَصْدِ الثَّانِي لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، إذ1 كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الَّذِي لَعِبَ فِيهِ يُمْكِنُهُ فِيهِ عَمَلُ مَا يُنَشِّطُهُ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ بِالْكُلِّ كَمُلَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ، وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَرِيحَ بِتَرْكِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَالِاسْتِرَاحَةُ مِنَ الْأَعْمَالِ بِالنَّوْمِ وَغَيْرِهِ رَيْثَمَا يَزُولُ عَنْهُ كَلَالُ الْعَمَلِ لَا دَائِمًا كُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُبَاحَةٌ؛ لِأَنَّهَا خَادِمَةٌ لِلْمَطْلُوبِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ.
أَمَّا الِاسْتِرَاحَةُ إِلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ مِنْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ؛ فَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُدَاوَمَةٍ؛ فَقَدْ أَتَى بِأَمْرٍ يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ2 خَادِمٌ لِلْمَطْلُوبِ الْفِعْلِ؛ فَصَارَتْ خِدْمَتُهُ لَهُ بِالْقَصْدِ الثَّانِي لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، فَبَايَنَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ إِذْ جِيءَ فِيهِ بِالْخَادِمِ لَهُ ابْتِدَاءً، وَهَذَا إِنَّمَا جِيءَ فِيهِ بِمَا هُوَ خَادِمٌ لِلْمَطْلُوبِ التَّرْكِ، لَكِنَّهُ تَضَمَّنَ خِدْمَةَ الْمَطْلُوبِ الْفِعْلِ إِذَا3 لَمْ يُدَاوَمْ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
فَصْلٌ
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْبَحْثُ كُلُّهُ تَدْقِيقٌ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كِلَا الْقِسْمَيْنِ قَدْ تَضَمَّنَ4 ضِدَّ مَا اقْتَضَاهُ فِي وَضْعِهِ الْأَوَّلِ؛ فالواجب العمل على ما
__________
1 كذا في "ط"، وفي غيره: "إذا"، وكتب "د": "لعل الأصل: "إذ"؛ فهو تعليل لسابقه".
2 أي: النشاط والراحة التي هي خادم لما يطلب فعله من ضروري أو حاجي مثلا؛ أي: فليس خادما للمطلوب الفعل مباشرة، بل بواسطة، ولكنه يخدم مطلوب الترك مباشرة، أما القسم الأول؛ كالأكل، والشرب وتأديب الفرس مثلا؛ فهو خادم لأصل من الأصول مباشرة، فلذلك اختلف حكمهما. "د".
3 فإذا داوم عليه وضيع الوقت فيه؛ لم يكن خدم به شيئًا من المصالح، بل كان مضيعًا لها؛ فلهذا نهي عن الدوام. "د".
4 كما هي عبارته أول المسألة حيث قال فيهما: "وقد يصير مطلوب ... إلخ"، وقوله: "على ما يقتضيه الحال ... إلخ"؛ أي: فإن أدى استعماله إلى تفويت مصلحة نهي عنه، وإلا فلا. "د".
الصفحة 525