الْمَرَاتِبِ مَعَ إِمْكَانِ الرُّقِيِّ، وَتَتَحَسَّرُ إِذَا رَأَتْ شُفُوفَ1 مَا فَوْقِهَا عَلَيْهَا، كَمَا يَتَحَسَّرُ أَصْحَابُ النَّقْصِ حَقِيقَةً إِذَا رَأَوْا مَرَاتِبَ الْكَمَالِ؛ كَالْكُفَّارِ، وَأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَلَمَّا فَضَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ دُورِ الْأَنْصَارِ وَقَالَ: "فِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ" 2. قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! خُيِّر دُورُ الْأَنْصَارِ فجُعِلنا3 آخِرًا. فَقَالَ: "أَوْ لَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ؟ " 4.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "قَدْ فَضَّلَكُمْ على كثير" 5.
فهذا يشير إلى رُتَبَ الْكَمَالِ تَجْتَمِعُ فِي مُطْلَقِ الْكَمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا مَرَاتِبُ أَيْضًا؛ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، والله أعلم.
__________
1 أي: فضل ما فوقها عليها زيادة ما هو فيه من نعمة وخير. "ف".
2 قطعة من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه" في مواطن كثيرة، منها "كتاب مناقب الأنصار، باب فضل دور الأنصار، 7/ 115/ رقم 3789، 3790"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب في خير دور الأنصار رضي الله عنهم، 4/ 1949-1950/ رقم 2511" عن أبي سعيد الساعدي رضي الله عنه مرفوعًا.
وفي الباب عن أبي حميد كما سيأتي قريبًا. وفي "ط": "وفي كل ... ".
3 الرواية كما في البخاري في مناقب الأنصار بصيغة المبني للمجهول في خير وجعل، وهذا هو ما يقتضيه سياق الكلام، لا بصيغة الأمر كما في أصل النسخة؛ أي: فمع أنهم من الخيار لم يقنعوا بذلك، ولم يرضوا بمرتبة دون ما فوقها، وبهذا صح الاستدلال به على فضل تطلب المراتب العالية. "د". وفي هذا رد على "ف" حيث قال: "ولعله واجعلنا" طلب المفاضلة، ولو بجعله آخرًا". وضبط ناسخ "ط": "خير" بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء آخر الحروف.
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب مناقب الأنصار، باب فضل دور الأنصار، 7/ 115/ رقم 3791"عن أبي حميد الساعدي به.
5 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب مناقب الأنصار، باب فضل دور الأنصار، 7/ 115/ رقم 3789" عن أبي أسيد مرفوعًا، وهو قطعة من الحديث قبل السابق.