كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)

الْمَأْمُورِ بِهِ تَعَاوُنًا، وَطَرِيقُ التَّعَاوُنِ مُتَأَخِّرٌ فِي الِاعْتِبَارِ عَنْ طَرِيقِ إِقَامَةِ الضَّرُورِيِّ وَالْحَاجِيِّ لِأَنَّهُ تَكْمِيلِيٌّ، وَمَا هُوَ إِلَّا بِمَثَابَةِ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ لِيَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ يَبْنِيَ قَنْطَرَةً، وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ عَلَى الْخَاصَّةِ لِأَجْلِ الْعَامَّةِ، كَالْمَنْعِ مِنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ1؛ فَإِنَّ مَنْعَهُ فِي الْأَصْلِ مَمْنُوعٌ؛ إِذْ هُوَ مِنْ بَابِ مَنْعِ الِارْتِفَاقِ وَأَصْلُهُ ضَرُورِيٌّ أَوْ حَاجِيٌّ لِأَجْلِ أَهْلِ السُّوقِ، وَمَنْعِ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي2 لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَنْعٌ مِنَ النَّصِيحَةِ؛ إِلَّا أَنَّهُ إِرْفَاقٌ لِأَهْلِ الْحَضَرِ، وَتَضْمِينُ الصُّنَّاعِ قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ؛ فَإِنَّ جِهَةَ التَّعَاوُنِ هُنَا أَقْوَى.
وَقَدْ أَشَارَ الصَّحَابَةُ عَلَى الصِّدِّيقِ؛ إِذْ قَدَّمُوهُ خَلِيفَةً بِتَرْكِ التِّجَارَةِ وَالْقِيَامِ بِالتَّحَرُّفِ عَلَى الْعِيالِ3 لِأَجْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ فِي التَّعَاوُنِ، وَهُوَ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَعِوَضُهُ4 مِنْ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا5 النوع صحيح كما تفسر، والله أعلم.
__________
1 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب البيوع، باب هل يبيع حاضر لبادٍ بغير أجر، 4/ 370/ رقم 2158"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، 3/ 1157/ رقم 1521" عن ابن عباس؛ قال: "نهى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ تتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لبادٍ، فقلت لابن عباس: ما قوله حاضر لبادٍ؟ قال: لا يكون له سمسارًا". وفي الباب عن غيره.
2 انظر الحديث المتقدم.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" "3/ 184-185"، ووكيع في "أخبار القضاة" "1/ 104"، والبلاذري في "أنساب الأشراف" "ص44-45 الشيخان أبو بكر وعمر وولدهما"، والمحب الطبري في "الرياض النضرة" "1/ 202، 252" من طرق به.
4 في الأصل و"ط": "عوضوه".
5 في "ط": "فهذا".

الصفحة 567