كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)
وَأَنَّهُ1 قَائِمٌ فِي خَلْقِ اللَّهِ بِالْإِصْلَاحِ وَالنَّظَرِ وَالتَّسْدِيدِ؛ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ؛ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاحْتِجَانِ2 لِنَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ، بَلْ مِمَّنْ أُمِرَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ الْأَبَ الشَّفِيقَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْفِرَادِ بِالْقُوتِ دُونَ أَوْلَادِهِ؛ فَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَانَ الْأَشْعَرِيُّونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ، وَفِي الشَّفَقَةِ الْأَبَ الْأَكْبَرَ؛ إِذْ كَانَ لَا يَسْتَبِدُّ بِشَيْءٍ دُونَ أُمَّتِهِ.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، [قَالَ] : بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ -قَالَ- فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشَمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ؛ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ؛ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ". قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ؛ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لأحد منا في فضل3.
__________
1 في الأصل: "وكأنه".
2 الاحتجان: الإصلاح والجمع وضم ما انتشر، والحجنة: ما اختزنت من شيء واختصصت به نفسك، قال الأزهري: "ومن ذلك يقال للرجل إذا اختص بشيء لنفسه: قد احتجنه لنفسه دون أصحابه". انظر: "اللسان" "مادة ح ج ن، 3/ 108، 109".
3 أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب اللقطة، باب استحباب المواساة بفضول المال، 3/ 1354/ رقم 1728"، وأبو دود "في السنن" "كتاب الزكاة، باب في حقوق المال، 2/ 125-126/ رقم 1663"، وأحمد في "المسند" "3/ 34"، والبيهقي في "الكبرى" "4/ 182"، والبغوي في "شرح السنة" "رقم 2685" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وفي هذا لحديث دليل على أن لولي الأمر أن يجعل التبرع واجبا عند الحاجة، ومثله النهي عن ادخار لحوم الأضاحي والنهي عن كراء الأرض؛ وانظر تفصيلا مستطابا في "القواعد النورانية" "176-177" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وفي "ط": "حتى رئينا أنه ... ".
الصفحة 63