وَإِيثَارٌ بِالنَّفْسِ؛ كَمَا فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ تَرَّسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَطَلَّعُ لِيَرَى الْقَوْمَ؛ فَيَقُولُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا تُشْرِفْ يَا رَسُولَ اللَّهِ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ1، وَوَقَى بِيَدِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُلَّتْ.
وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ إِذْ كَانَ فِي غَزْوِهِ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا، قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَقَدِ] اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عَرِيٍّ وَالسَّيْفُ فِي عُنُقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "لَنْ تُرَاعُوا" 2، وَهَذَا فِعْلُ مَنْ آثَرَ بِنَفْسِهِ، وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَبِيتِهِ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَزَمَ الْكُفَّارُ على قتله مشهور3.
__________
1 مضى تخريجه "2/ 174" دون "ووقى بيده رسول الله فشلت"، وهذه الزيادة ثابتة عن طلحة بن عبيد الله، وليس عن أبي طلحة كما قال المصنف، أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر طلحة بن عبيد الله "7/ 82/ رقم 3724" بسنده إلى قيس بن أبي حازم؛ قال: "رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت".
2 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الجهاد، باب الشجاعة في الحرب والجبن، 6/ 35/ رقم 2820، وباب ركوب الفرس العري، 6/ 70/ رقم 2866، وباب الفرس القطوف، 6/ 70، رقم 2867، وباب الحمائل وتعليق السيف بالعنق، 6/ 95/ رقم 2908"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي عليه السلام، وتقدمه للحرب، 4/ 1802-1083/ رقم 2307" عن أنس رضي الله عنه.
3 أخرج ذلك أحمد في "مسنده" "1/ 348 و2/ 279 - الفتح الرباني"، والحاكم في "المستدرك" "3/ 4"، وابن جرير في "التاريخ" "2/ 372، 373"، وأبو نعيم في "الدلائل" "ص64"، وعبد الرزاق في "المصنف" "5/ 389"، والطبراني كما في "المجمع" "6/ 52-53"، والبزار في "المسند" "2/ 299-300/ رقم 1741 - زوائده"، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه؛ كما في "فتح القدير" "2/ 304"، والبيهقي في "الدلائل" "2/ 473" بأسانيد وألفاظ مختلفة فيها نحو المذكور عند المصنف مما يشهد أن للقسم المذكور أصلا، والله أعلم.
وقد حسن بعض طرقه ابن حجر في "الفتح" "7/ 236"، وابن كثير في "السيرة" "2/ 239"، وفيه نسيج العنكبوت على الغار، وما ذكر عند المصنف فيه له شواهد، والله الموفق.