كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)

اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَلْحَقَهُ ضَرُورَةٌ، فَإِنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ سَاقِطٌ عَنْهُ التَّكْلِيفُ بِتِلْكَ الْمَصَالِحِ أَوْ بِبَعْضِهَا مَعَ اضْطِرَارِهِ إِلَيْهَا؛ فَيَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ الْقِيَامُ بِهَا، وَلِذَلِكَ شُرِعَتِ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِقْرَاضُ، وَالتَّعَاوُنُ، وَغَسْلُ الْمَوْتَى وَدَفْنُهُمْ، وَالْقِيَامُ عَلَى الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِهِمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهَا عَلَى اسْتِجْلَابِهَا، وَالْمَفَاسِدِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِدْفَاعِهَا؛ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ كُلُّ مَنْ لَمْ يُكَلَّفْ بِمَصَالِحِ نَفْسِهِ؛ فَعَلَى غَيْرِهِ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ، بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ ذَلِكَ الْغَيْرَ ضَرَرٌ؛ فَالْعَبْدُ لَمَّا اسْتَغْرَقَتْ مَنَافِعُهُ مَصَالِحَ سَيِّدِهِ؛ كَانَ سَيِّدُهُ مَطْلُوبًا بِالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ؛ وَالزَّوْجَةُ كَذَلِكَ صَيَّرَهَا الشَّارِعُ [لِلزَّوْجِ] 1 كَالْأَسِيرِ تَحْتَ يَدِهِ؛ فَهُوَ قَدْ مَلَكَ مَنَافِعَهَا الْبَاطِنَةَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالظَّاهِرَةَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَامِ عَلَى وَلَدِهِ وَبَيْتِهِ؛ فَكَانَ مُكَلَّفًا بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا؛ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآية2 [النساء: 34] .
__________
1 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
2 لأنه يدخل في قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} نفقات الزوجة غير المهر كما هو أحد التفسيرين، ولذلك إذا عجز عن النفقة زالت عنه صفة القيامة على الزوجة فكان من حقها أن تطالبه بطلاقها كما هو مذهب مالك والشافعي. "د".

الصفحة 87