كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)

مُبَادَرَتِهِ لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ دُونَ النَّاسِ، حَتَّى يَكُونَ مُتَّقًى بِهِ1؛ فَهُوَ إِيثَارٌ رَاجِعٌ إِلَى تَحَمُّلِ أَعْظَمِ الْمَشَقَّاتِ عَنِ الْغَيْرِ، وُوَجْهُ عُمُومِ الْمَصْلَحَةِ هنا في مبادرته صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَالْجُنَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَفِي قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ وَقَى بِنَفْسِهِ مَنْ يَعُمَّ بَقَاؤُهُ مَصَالِحَ الدِّينِ وَأَهْلِهِ2، وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا عَدَمُهُ؛ فَتَعُمُّ مَفْسَدَتُهُ الدِّينَ وَأَهْلَهُ، وَإِلَى هَذَا النَّحْوِ مَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ3 النُّورِيُّ حِينَ تَقَدَّمَ إِلَى السياف، وقال: "أوثر أصحابي بحياة الساعة" في القصة4 المشهورة.
__________
1 كما تقدم "ص69"، ويدل عليه أيضا ما أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الجهاد، باب في غزوة حنين، 3/ 1041/ رقم 1776 بعد 79" عن البراء؛ قال: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم".
2 في نسخة "ماء/ ص237" و"ط": " ... بقاؤه الدين وأهله مصالح".
3 في النسخ المطبوعة و"ط": "أبو الحسن"، وهو خطأ، والنوري اسمه أحمد بن محمد الخراساني البغوي، له عبارات دقيقة، يتعلق بها من انحرف من الصوفية، نسأل الله العفو، مات سنة "295هـ". انظر: "السير" "14/ 70".
4 ذكرها القشيري في "رسالته" "ص112" في "باب الجود والسخاء، ص112"؛ قال: "سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: لما سعى غلام الخليل بالصوفية إلى الخليفة؛ أمر بضرب أعناقهم، فأما الجنيد؛ فإنه تستر بالفقه، وكان يفتي على مذهب أبي ثور، وأما الشحام والرقام والنوري وجماعة فقبض عليهم فتبسط النطع لضرب أعناقهم، فتقدم النوري، فقال السياف: تدري إلى ماذا تبادر؟ فقال: نعم. فقال: وما يعجلك؟ قال: أوثر على أصحابي بحياة ساعة فتحير السياف وأنهى الخبر إلى الخليفة؛ فردهم إلى القاضي ليتعرف حالهم، فألقى القاضي على أبي الحسين النوري مسائل فقهية فأجابه عن الكل، ثم أخذ يقول: وبعد؛ فإن لله تعالى عبادًا إذا قاموا أقاموا بالله، وإذا نطقوا نطقوا بالله، وسرد ألفاظًا أبكى القاضي؛ فأرسل القاضي إلى الخليفة وقال: إن كان هؤلاء زنادقة فما على وجه الأرض مسلم".
وذكرها أبو نعيم في "الحلية" "10/ 250-251"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "5/ 134"، والذهبي في "السير" "14/ 71"، والهجويري في "كشف المحجوب" "ص421"، والطوسي في "اللمع" "ص492".

الصفحة 93