كتاب الموافقات (اسم الجزء: 3)

لَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ" 1 الْحَدِيثَ.
وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ بِهَا وَلَا أَوْرَثَهَا نَقْصًا بَعْدُ وَلَكِنَّ ذَلِكَ مُتَوَقَّعٌ؛ فَإِنَّهُ2 يَحُلُّ مَحَلَّ مَفَاسِدَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَعَوَارِضَ تَطْرُقُهُ؛ فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ المفسد الْوَاقِعَةِ فِي الدِّينِ أَمْ لَا؟ كَالْعَالِمِ يَعْتَزِلُ النَّاسَ خَوْفًا مِنَ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ، وكذلك السلطان أو الولي الْعَدْلُ الَّذِي يَصْلُحُ لِإِقَامَةِ تِلْكَ الْوَظَائِفِ، وَالْمُجَاهِدُ إِذَا قَعَدَ عَنِ الْجِهَادِ خَوْفًا مِنْ قَصْدِهِ طَلَبَ الدُّنْيَا بِهِ أَوِ الْمَحْمَدَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ الترك مؤيدًا إِلَى الْإِخْلَالِ بِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ؛ فَالْقَوْلُ هُنَا بِتَقْدِيمِ الْعُمُومِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِتَعْطِيلِ3 مَصَالِحِ الْخَلْقِ أَلْبَتَّةَ؛ فَإِنَّ إِقَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَقَدْ فَرَضْنَا هَذَا الْخَائِفَ مُطَالِبًا بِهَا؛ فَلَا يُمْكِنُ إِلَّا الْقِيَامُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُدْخِلُهُ فِي تَكْلِيفِ مَا لَا يُطِيقُهُ أَوْ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَالتَّعَرُّضُ لِلْفِتَنِ وَالْمَعَاصِي رَاجِعٌ إِلَى اتِّبَاعِ هَوَى النَّفْسِ4 خَاصَّةً، لَا سِيَّمَا فِي الْمَنْهِيَّاتِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ تَرْكٍ، وَالتَّرْكُ لَا يُزَاحِمُ الْأَفْعَالَ فِي تَحْصِيلِهِ، وَالْأَفْعَالُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا الْوَاجِبُ، وَهُوَ يَسِيرٌ؛ فَلَا يَنْحَلُّ عَنْ عُنُقِهِ رِبَاطُ الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ إِلَّا مَعَ الْمَعْصِيَةِ؛ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَلَا يَرْفَعُهُ عَنْهُ مُجَرَّدُ مُتَابِعَةِ الْهَوَى؛ إِذْ لَيْسَ مِنَ الْمَشَقَّاتِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوِ الْجِهَادُ عَيْنًا، أَوِ الزَّكَاةُ؛ فَلَا يَرْفَعُ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ خَوْفُ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وإن فرض أن يَقَعُ بِهِ؛ بَلْ يُؤْمَرُ بِجِهَادِ نَفْسِهِ فِي الْجَمِيعِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ هَذَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَصَارَ كَالْمُتَسَبِّبِ
__________
1 مضى تخريجه "2/ 248".
2 أي: فإن التوقع والترقب لحصول مفاسد تدخل عليه قد يحل محل الحصول بالفعل؛ أي: فالمقام في ذاته كما يحتمل أن يحصل لمن يقوم بالوظائف العامة دخول المفاسد بالفعل يحتمل ألا يحصل بالفعل، بل يتوقع له ذلك، وقد لا يحصل التوقع ولا الحصول بالفعل، بل يسلم منهما، أي: والتوقع احتما قوي؛ فهل يعامل معاملة الحصول بالفعل، أم لا؟ "د".
3 في "ط": "إلى تعطيل".
4 في "ط": "النفوس".

الصفحة 95