كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)
وَقَوْلِهِ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الْأَنْعَامِ: 108] .
وَقَدْ مَنَعَ1 مَالِكٌ لِمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وحده أن يُفْطِرَ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى إِفْطَارِ الْفُسَّاقِ مُحْتَجِّينَ بِمَا احْتَجَّ بِهِ2، وَقَالَ بِمِثْلِهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَا زُورٍ بِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَلَمْ يَفْعَلْ؛ فَمَنَعَهُ مِنْ وَطْئِهَا إِلَّا أَنْ يَخْفَى ذَلِكَ عَنِ النَّاسِ3.
وَرَاعَى زِيَادٌ مِثْلَ هَذَا فِي صَلَاةِ النَّاسِ فِي جَامِعِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ فَإِنَّهُمْ4 إِذَا صَلَّوْا فِي صَحْنِهِ وَرَفَعُوا مِنَ السُّجُودِ مَسَحُوا جِبَاهَهُمْ مِنَ التُّرَابِ؛ فَأَمَرَ بِإِلْقَاءِ الْحَصَى فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: "لَسْتُ آمَنُ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ فَيَظُنُّ الصَّغِيرُ إِذَا نَشَأَ أَنَّ مَسْحَ الْجَبْهَةِ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ"5.
وَمَسْأَلَةُ مَالِكٍ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى "الْمُوَطَّأِ" فَنَهَاهُ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ من هذا6 القبيل أيضًا7.
__________
1 المثبت من "ط"، وفي غيرها: "رأى مالك ... أن لا يفطر".
2 قال مالك في "الموطأ" "1/ 287": "ومن رأى هلال شوال وحده؛ فإنه لا يفطر لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونًا، ويقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال".
3 انظر: "الذخيرة" "10/ 262-263, ط دار الغرب" للقرافي.
4 في "ط" زيادة: "كانوا".
5 ذكره في "الاعتصام" "2/ 108"، وقال عقبه: "وهذا في مباح؛ فكيف به في المكروه أو الممنوع؟ "، وصرح أنه نقل هذه الحكاية عن الماوردي، وكذا سيفعل هنا في "ص120".
6 لأنه إذا تطاول الزمان على الاقتصار عليه في العمل يظن الناس أنه لا يصح العمل بغيره من الأحاديث والسنن. "د".
7 نحوه في "جامع بيان العلم" "رقم 870" لابن عبد البر، و"ذيل المذيل" "107" لابن جرير، و"السير" "8/ 70"، و"تذكرة الحفاظ" "1/ 209" للذهبي، و"التزيين" "41" للسيوطي، و"كشف المغطى في فضل الموطا" "53-55" لابن عساكر، و"ترتيب المدارك" "1/ 192، 193، 2/ 72" للقاضي عياض، و"إعلام الموقعين" "2/ 296-297"، و"انتصار الفقير السالك" "ص191-192، 207-208"، و"مفتاح السعادة" "2/ 87"، و"الديباج المذهب" "1/ 119"، و"إتحاف السالك" "رقم 224" لابن ناصر الدين، وفي ثبوت هذه القصة نظر؛ كما في كتابنا: "قصص لا تثبت"، يسر الله إتمامه بخير.
الصفحة 112