كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:
الْمَكْرُوهَاتُ مِنْ حَقِيقَةِ اسْتِقْرَارِهَا مَكْرُوهَاتٍ أَنْ لَا يُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُبَاحَاتِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ:
فَلِأَنَّهَا إِذَا أُجْرِيَتْ ذَلِكَ الْمَجْرَى تُوُهِّمَتْ مُحَرَّمَاتٍ، وَرُبَّمَا طَالَ الْعَهْدُ فَيَصِيرُ التَّرْكُ وَاجِبًا1 عِنْدَ مَنْ لَا يَعْلَمُ.
وَلَا يُقَالُ: إِنَّ فِي بَيَانِ ذَلِكَ ارْتِكَابًا لِلْمَكْرُوهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْبَيَانُ آكَدُ، وَقَدْ يُرْتَكَبُ النَّهْيُ الْحَتْمُ إِذَا كَانَتْ لَهُ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ؛ أَلَا تَرَى إِلَى كَيْفِيَّةِ تَقْرِيرِ الْحُكْمِ2 عَلَى الزَّانِي، وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَهُ: "أَنِكْتَهَا"3 هَكَذَا مِنْ غَيْرِ كِنَايَةٍ، مَعَ أَنَّ ذِكْرَ [هَذَا] اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَعْرِضِ الْبَيَانِ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ؟ غَيْرَ أَنَّ التَّصْرِيحَ هُنَا آكَدُ، فَاغْتُفِرَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ؛ فَكَذَلِكَ هُنَا، أَلَا تَرَى إِلَى إِخْبَارِ عَائِشَةَ عَمَّا فعلته مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ4، وَقَوْلِهِ, عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَلَا أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ" 5، مَعَ أَنَّ ذِكْرَ مِثْلِ هَذَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْبَيَانِ منهي عنه؟
__________
1 وتقدم أنه إذا أدى الفعل أو الترك إلى اعتقاد الوجوب فيما ليس بواجب وجب البيان بالقول أو الفعل. "د".
2 لو قال: "تقرير الزاني"؛ لكان أخصر وأوضح. "د".
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الحدود، باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت، 12/ 35/ رقم 6824" عن ابن عباس, رضي الله عنهما.
4 مضى نصه وتخريجه في التعليق على "ص83".
5 مضى نصه وتخريجه في التعليق على "ص74"، وأوهم صنيع المصنف في "ص94" أن الحديث في الإصباح جنبًا في الصوم، وأوهم كلامه هنا أن الحديث لعائشة وأنه في التقاء الختانين، مع أنه صرح هناك أنه لأم سلمة، وهو كما في مصادر تخريجه في ذكر جواز التقبيل للصائم.

الصفحة 117