كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ 1:
الْوَاجِبَاتُ لَا تَسْتَقِرُّ وَاجِبَاتٍ إِلَّا إِذَا لَمْ يُسَوَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ؛ فَلَا تُتْرَكُ وَلَا يُسَامَحُ فِي تَرْكِهَا أَلْبَتَّةَ، كَمَا أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَا تَسْتَقِرُّ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا لَمْ يُسَوَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ؛ فَلَا تُفْعَلُ وَلَا يُسَامَحُ فِي فِعْلِهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّا نَسِيرُ مِنْهُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ مَا إِذَا تُرِكَتْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا حُكْمٌ دُنْيَوِيٌّ2، وَكَذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مَا إِذَا فُعِلَتْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا أَيْضًا حُكْمٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَا كَلَامٌ فِي مُتَرِتِّبَاتِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ تَحَكُّمَاتِ الْعِبَادِ.
كَمَا أَنَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ مَا إِذَا تُرِكَتْ وَمِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مَا إِذَا فُعِلَتْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا3 حُكْمٌ دُنْيَوِيٌّ مِنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
فَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ يُخَالِفُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ؛ فَمِنْ حَقِيقَةِ اسْتِقْرَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِسْمَيْنِ أَنْ لَا يُسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ فِي تَغْيِيرِ أَحْكَامِهَا تَغْيِيرُهَا فِي أَنْفُسِهَا؛ فَكُلُّ مَا يُحْذَرُ فِي عَدَمِ الْبَيَانِ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ يُحَذَرُ هُنَا، لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَالْأَدِلَّةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ هُنَالِكَ يَجْرِي مَثَلُهَا هُنَا.
وَيَتَبَيَّنُ هَذَا الْمَوْضِعُ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ: إِذَا وَضَعَ الشَّارِعُ حَدًّا فِي فِعْلٍ مُخَالِفٍ فَأُقِيمَ ذَلِكَ الْحَدُّ عَلَى الْمُخَالِفِ؛ كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ [فِيهِ] مُقَرَّرًا مُبَيِّنًا، فَإِذَا لَمْ يُقَمْ؛ فَقَدْ أُقِرَّ عَلَى غَيْرِ مَا أَقَرَّهُ الشَّارِعُ، وَغُيِّرَ إِلَى الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الحكم، ووقع بيانه مخالفًا؛ فيصير المنتصب
__________
1 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "11/ 686-687".
2 في "ط": "ديني".
3 في "ط": "عليه".

الصفحة 124