كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ فِي الِاعْتِبَارِ، وَيَتَبَيَّنُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ.
فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ بُكَيْرٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ نَافِعًا: كَيْفَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَرُورِيَّةِ؟ قَالَ: "يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ، إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ أُنْزِلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ"1.
فَهَذَا مَعْنَى الرَّأْيِ الَّذِي نَبَّهَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ النَّاشِئُ عَنِ الْجَهْلِ بِالْمَعْنَى الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.
وَرُوِيَ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ بَوَّابَهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: "قُلْ لَهُ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا؛ لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الْآيَةِ؟ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ"2، ثُمَّ قَرَأَ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ
__________
1 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، 12/ 282" تعليقًا، قال: "وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق، وقال: إنهم انطلقوا ... "، وذكر الأثر.
ووصله ابن جرير في "تهذيب الآثار" -كما في "تغليق التعليق" "5/ 259"، و"الفتح" "12/ 286"- من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج؛ أَنَّهُ سَأَلَ نَافِعًا: كَيْفَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ عمر في الحرورية؟ فذكره، قال ابن حجر: "وسنده صحيح".
انظر: "مجموعة الرسائل الكبرى" "1/ 36-37" لابن تيمية، و"الاعتصام" "2/ 692" للمصنف؛ وعزاه لابن وهب أيضًا، وكذا ابن عبد البر في "الاستذكار" "8/ 90/ رقم 10576".
2 مضى تخريجه "ص32".

الصفحة 149