كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

بِالْبَيِّنَاتِ1، وَإِعْمَالُ2 أَخْبَارِ الْآحَادِ وَالْقِيَاسَاتِ الظَّنِّيَّةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي قَدْ تَتَخَلَّفُ مُقْتَضَيَاتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّهُ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَدَمِ التَّخَلُّفِ؛ فَاعْتُبِرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ كُلِّيَّةً عَادِيَّةً لَا حَقِيقِيَّةً.
وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ تَجِدُ سائر القواعد التكليفية.
وإذا ثبت3 ذلك ظهر أن لا بد مِنْ إِجْرَاءِ الْعُمُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَحْكَامِ الْعَادِيَّةِ، مِنْ حَيْثُ هِيَ مُنْضَبِطَةٌ بِالْمَظِنَّاتِ، إِلَّا إِذَا ظَهَرَ مَعَارِضٌ4؛ فَيُعْمَلُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحُكْمُ فِيهِ، كَمَا إِذَا عَلَّلْنَا الْقَصْرَ بِالْمَشَقَّةِ؛ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالْمَلِكِ الْمُتْرَفِ وَلَا بِالصِّنَاعَةِ الشَّاقَّةِ، وَكَمَا لَوْ عَلَّلَ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ5؛
__________
1 أي: مع أن البينة قد تخطئ، وقد تكذب، ومع ذلك يجب ترتيب الحكم على الشهادة؛ فقد يكون الحكم في الواقع خطأ، لكنه نادر لا يعتد به؛ لأنه لا طريق غيره لإجراء العدالة بين الناس، حسبما جرت به العادة الإلهية فيهم. "د".
2 في الاستدلال بها على الأحكام الشرعية، مع أنها محتملة لما يجعلها غير صالحة للأخذ بها، وبناء الأحكام الشرعية العملية عليها، ومثله أو أشد منه يقال في القياسات، وكلها ظنية بين ضعيفة وقوية، كما هو معروف من أنه يتوجه على القياس نحو أربعة وعشرين اعتراضًا تجعل الأخذ به غير مقطوع بصحته في الواقع، ولكن الشرع مع ذلك اعتبره بناء على أنه يوصل إلى الصواب عادة. "د".
3 في "ط": "وإذ ثبت".
4 وذلك كما إذا ظهر كذب الشهود فيرد وينقض، وكما إذا ظهر نص في مقابلة القياس فيرجع للنص لفساد اعتبار القياس حينئذ؛ فقوله: "كما إذا ... إلخ" راجع لما قبل إلا. "د".
5 لا يخفى أن الكيل وصف طردي ليس فيه المناسبة التي يترتب عليها الحكم عند ذوي العقول السليمة، وقيل: العلة الوزن كما هو رأي أبي حنيفة، ورواية عند أحمد وعند مالك والشافعي أن العلة القوت، ورجحه ابن القيم، وأما الدراهم والدنانير؛ فمذهب أبي حنيفة أن العلة كونهما موزونين، وعند مالك والشافعي أن العلة الثمنية، وقال ابن القيم: إنه الصواب؛ لأن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي جعل ضابطًا لقيم الأموال، فيجب أن يكون مضبوطًا محدودًا لا يرتفع ولا ينخفض؛ إذ لو كانت ترتفع وتنخفض لكانت كالسلع؛ ففسد أن تكون أصلًا =

الصفحة 15