كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

عَيْنٍ فِي رَجُلٍ مُعَيَّنٍ1 مِنَ الْكُفَّارِ، بِسَبَبِ أَمْرٍ مُعَيَّنٍ، مِنْ هَمْزِهِ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَعَيْبِهِ إِيَّاهُ؛ فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ جَزَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ الْقَبِيحِ، لَا أَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى التَّخْوِيفِ؛ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ جَارٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} 2 [الْعَلَقِ: 6-7] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيتين [الأحزاب: 57-58] جَارٍ3 عَلَى مَا ذُكِرَ.
وَكَذَلِكَ سُورَةُ وَالضُّحَى، وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشَّرْحِ: 1] غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِلنَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِالشُّكْرِ لِأَجْلِ مَا أَعْطَاهُ مِنَ الْمِنَحِ.
وَقَوْلُهُ: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النُّورِ: 22] قَضِيَّةُ عَيْنٍ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، نَفَّسَ بِهَا مِنْ كَرْبِهِ فِيمَا أَصَابَهُ بِسَبَبِ الْإِفْكِ الْمُتَقَوَّلِ عَلَى بِنْتِهِ عَائِشَةَ؛ فَجَاءَ هَذَا الْكَلَامُ كَالتَّأْنِيسِ لَهُ وَالْحَضِّ عَلَى إِتْمَامِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَإِدَامَتِهَا، بِالْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبَةِ الْمُتَّصِفِ بِالْمَسْكَنَةِ وَالْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَحَبَّ اللَّهُ لَهُ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ.
وَقَوْلُهُ: {لَا تَقْنَطُوا} [الزُّمَرِ: 53] وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا فِي الْمُذَاكَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ بِذِكْرِ ذَلِكَ النَّقْضَ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، بَلِ النَّظَرَ فِي مَعَانِي آيَاتٍ عَلَى اسْتِقْلَالِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزُّمَرِ: 53] أُعْقِبَ بِقَوْلِهِ: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} الْآيَةَ [الزُّمَرِ: 54] ، وَفِي هَذَا تَخْوِيفٌ عظيم
__________
1 هو أبي بن خلف أو أمية بن خلف أو الوليد بن المغيرة أو العاصي بن وائل، أو هم جميعًا لأنهم كانوا أغنياء عيابين في النبي -صلى الله عليه وسلم- تنطبق عليهم الأوصاف التي في السورة. "د".
2 نزل في أبي جهل وإن كان المراد الجنس، وقد نزلت الآيات بعد ما قبلها من السورة بزمن طويل. "د".
3 لأنهما نزلتا في أبي بن سلول ومن معه في قضية الإفك، أو فيمن طعنوا عليه -صلى الله عليه وسلم- في زواج صفية بنت حيي بن أخطب. "د".

الصفحة 176