كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} 1 الْآيَةَ [النِّسَاءِ: 64] تَقَدَّمَ قَبْلَهَا وَأَتَى بَعْدَهَا تَخْوِيفٌ عَظِيمٌ؛ فَهُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الْآيَةَ [النِّسَاءِ: 48] جَامِعٌ لِلتَّخْوِيفِ وَالتَّرْجِيَةِ مِنْ حَيْثُ قَيَّدَ غُفْرَانَ مَا سِوَى الشِّرْكِ بِالْمَشِيئَةِ، وَلَمْ يُرِدِ ابْنُ مَسْعُودٍ بِقَوْلِهِ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" أَنَّهَا آيَاتُ تَرْجِيَةٍ خَاصَّةٍ، بَلْ مُرَادُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا كُلِّيَّاتٌ فِي الشَّرِيعَةِ مُحْكَمَاتٌ، قَدِ احْتَوَتْ عَلَى عِلْمٍ كَثِيرٍ، وَأَحَاطَتْ بِقَوَاعِدَ عَظِيمَةٍ فِي الدِّينِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: "وَلَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذَا مَرُّوا بِهَا مَا يَعْرِفُونَهَا"2، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ جَارٍ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مَوْطِنٍ ما يناسبه [وإن الذي يُنَاسِبُهُ] إِنْزَالُ الْقُرْآنِ إِجْرَاؤُهُ3 عَلَى الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ لَا أَنَّهُ أُنْزِلَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَصْلٌ:
وَمِنْ هُنَا يُتَصَوَّرُ لِلْعِبَادِ أَنْ يَكُونُوا دَائِرِينَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ دَائِرَةٌ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ عَلَى الْخُصُوصِ؛ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ....} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 57-60] .
وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: 218] .
__________
1 "جاءوك" سقطت من الأصل.
2 كذا في الأصول كلها، وسبق التنبيه قريبًا "ص174" أن الأثر في كتب التخريج دون "ما".
3 ما بين المعقوفتين من "ط" فقط، ولذا كتب "د": "إجراؤه بدل من إنزال"، وقال "ف": "لعل العبارة: ما يناسب إنزال القرآن وإجراؤه". قلت: وكذا أثبتها "م".
الصفحة 178