الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَكْثَرُهُ كُلِّيٌّ1 لَا جُزْئِيٌّ، وَحَيْثُ جَاءَ جُزْئِيًّا؛ فَمَأْخَذُهُ عَلَى الْكُلِّيَّةِ إِمَّا بِالِاعْتِبَارِ2، أَوْ بِمَعْنَى3 الْأَصْلِ؛ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ مِثْلَ خَصَائِصِ النَّبِيِّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ الِاسْتِقْرَاءِ الْمُعْتَبَرِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ4 إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْبَيَانِ؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ عَلَى كَثْرَتِهَا وَكَثْرَةِ مَسَائِلِهَا إِنَّمَا هِيَ بَيَانٌ لِلْكِتَابِ، كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْلِ: 44] .
وَفِي الْحَدِيثِ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أُعْطِي مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ؛ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القيامة" 5.
__________
1 معنى الكلية هنا أنه لا يختص بشخص دون آخر، ولا بحال دون حال، ولا زمان دون آخر، وأيضًا ليس مفصلًا مستوعبًا لشروط وأركان وموانع ما يطلب أو ما ينهى عنه، وهو المسمى بالمجمل، وإنما حملنا الكلية على هذين المعنيين معًا لتنزيل كلامه الآتي عليه، ألا ترى إلى قوله: "إلا ما خصه الدليل"، وإلى قوله: "ويدل على هذا المعنى أنه محتاج إلى كثير من البيان"، وقوله: "وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة ... إلخ"؟ "د".
قلت: بين هذه الكليات ابن القيم في "مدارج السالكين" "1/ 452-453, ط الفقي".
2 أي: باعتبار المآلات، وهو المسمى بالاستحسان. "د".
3 وهو القياس. "د".
4 لمعرفة التفاصيل والشروط والموانع وأركان الماهيات الشرعية وغير ذلك، وهذه الحاجة هي علامة الكلية. "د".
5 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل، 9/ 3/ رقم 4981، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي, صلى الله عليه وسلم "بعثت بجوامع =