وَإِنَّمَا1 الَّذِي أُعْطِيَ الْقُرْآنَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ؛ فَبَيَانٌ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَالْقُرْآنُ عَلَى اخْتِصَارِهِ جَامِعٌ، وَلَا يَكُونُ جَامِعًا إِلَّا وَالْمَجْمُوعُ فِيهِ أُمُورٌ كُلِّيَّاتٌ؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ تَمَّتْ بِتَمَامِ نُزُولِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: 3] .
وَأَنْتَ2 تَعْلَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْجِهَادَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ لَمْ يَتَبَيَّنْ جَمِيعُ أَحْكَامِهَا فِي الْقُرْآنِ، إِنَّمَا بَيَّنَتْهَا3 السُّنَّةُ، وَكَذَلِكَ الْعَادِيَّاتُ مِنَ الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها.
__________
= الكلم"، 13/ 247/ رقم 7274"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة، 1/ 134/ رقم 152" عن أبي هريرة, رضي الله عنه. وفي "ط": "ما من الأنبياء من نبي ... ".
قال "ف" شارحًا "ما مثله آمن عليه البشر": "أي: لأجله، بحيث إذا شاهده اضطر إلى التصديق به؛ فموسى -عليه السلام- أعطي آية العصا وقلبها حية لأن الغلبة إذ ذاك للسحرة؛ فجاءهم بما يوافق السحر، فاضطرهم إلى الإيمان بذلك، وكذلك عيسى أعطي آية إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى؛ لأن الغلبة في زمانه للطب، فجاءهم بما هو أعلى منه، وهو إحياء الموتى.
وفي زمان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كانت الغلبة للبلاغة والبيان؛ فجاءهم بالقرآن من جنس ما تناهوا فيه مما عجز عنه البلغاء الكاملون في عصره؛ فاضطرهم إلى التصديق بمعجزاته، وهكذا كل نبي أعطي من المعجزات ما يناسب أهل زمانه مما إذا شوهد اضطر الشاهد إلى التصديق به بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه، ولا يقدر على الإتيان بمثله" ا. هـ.
1 لأنه المشتمل على ما آمن لأجله الناس من المعجزة، وليس هذا في السنة، وإذا كان الذي أعطيه هو القرآن؛ فلا يتأتى أن يكون جامعًا لحاجة البشر في دينهم ودنياهم؛ إلا إذا كان مشتملًا على التفاصيل في معاملة الخلق والخالق، ولكنه يبقى أن يقال: إنه ورد في الحديث الآخر: "أعطيت القرآن ومثله معه"؛ فهذا الحصر غير مسلم إلا باعتبار الإعجاز الذي في الحديث؛ فلا يظهر وجه الاستدلال بالحديث على الكلية لتعريفه للأحكام الشرعية. "د".
2 من تتمة الدليل قبله. "د".
3 وسيأتي في المسألة الرابعة من السنة بيان ذلك بتفصيل. "د".