كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

وُجْهَةٍ وَإِلَى كُلِّ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، وَحِينَ أَبَى من أبى من الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ بُدِئُوا1 بِالتَّغْلِيظِ بِالدُّعَاءِ؛ فَشُرِعَ الْجِهَادُ لَكِنْ عَلَى تَدْرِيجٍ2 أَيْضًا، حِكْمَةً بَالِغَةً، وَتَرْتِيبًا يَقْتَضِيهِ الْعَدْلُ وَالْإِحْسَانُ، حَتَّى إِذَا كَمُلَ3 الدِّينُ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا، وَلَمْ يَبْقَ لِقَائِلٍ مَا يَقُولُ؛ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِلَيْهِ وَقَدْ بَانَتِ الْحُجَّةُ، وَوَضَحَتِ الْمَحَجَّةُ، وَاشْتَدَّ أُسُّ4 الدِّينِ، وَقَوِيَ عَضُدُهُ بِأَنْصَارِ اللَّهِ؛ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا عَلَى ذَلِكَ.
- وَمِنْهَا: كَيْفِيَّةُ تَأَدُّبِ الْعِبَادِ إِذَا قَصَدُوا بَابَ رَبِّ الْأَرْبَابِ بِالتَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ؛ فَقَدْ بَيَّنَ مَسَاقُ الْقُرْآنِ آدَابًا اسْتُقْرِئَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا بِالْعِبَارَةِ؛ فَقَدْ أَغْنَتْ إِشَارَةُ التَّقْرِيرِ عَنِ التَّصْرِيحِ بِالتَّعْبِيرِ، فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ لِلْعِبَادِ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِـ"يَا" الْمُشِيرَةِ إِلَى بُعْدِ الْمُنَادِي لِأَنَّ صَاحِبَ النِّدَاءِ مُنَزَّهٌ عَنْ مُدَانَاةِ الْعِبَادِ، مَوْصُوفٌ بِالتَّعَالِي عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ، فَإِذَا قَرَّرَ نِدَاءَ الْعِبَادِ لِلرَّبِّ أَتَى بِأُمُورٍ تَسْتَدْعِي قُرْبَ الْإِجَابَةِ:
- مِنْهَا: إِسْقَاطُ حَرْفِ النِّدَاءِ الْمُشِيرِ إِلَى قُرْبِ الْمُنَادَى، وَأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ الْمُنَادِيِ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ؛ فَدَلَّ عَلَى اسْتِشْعَارِ الرَّاغِبِ هَذَا الْمَعْنَى؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا "رَبَّنَا" "رَبَّنَا" كَقَوْلِهِ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} 5 [الْبَقَرَةِ: 286] .
{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127] .
__________
1 في "ط": "بدئ".
2 كما سبق إذن لا إيجاب، ثم إيجاب لمقاتلة من يلونهم من الكفار، ثم مقاتلة المشركين كافة. "د".
3 في الأصل: "أكمل".
4 في الأصل: "أمر".
5 وهذا وما ماثله وإن كان على لسان العباد؛ إلا أنه بتعليمه تعالى لهم؛ فلا يقال: إن هذا حكاية لما قالوه، ولا يتأتى أن يغير شيئًا منها بحذف حرف النداء ليعلمنا بذلك شيئًا من آداب مخاطبته تعالى. "د".

الصفحة 202