كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوت اتَّخَذَتْ بَيْتًا} 1 الْآيَةَ [الْعَنْكَبُوتِ: 41] ، قَالَ الْكُفَّارُ: مَا بَالُ الْعَنْكَبُوتِ وَالذُّبَابِ يُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ؟ مَا هَذَا الْإِلَهُ2؛ فَنَزَلَ3: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [الْبَقَرَةِ: 26] ؛ فَأَخَذُوا بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي الْمُرَادِ، فَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 26] .
وَيُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ نَظَرُ الْكُفَّارِ لِلدُّنْيَا، وَاعْتِدَادُهُمْ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَظِلٌّ زَائِلٌ، وَتَرْكُ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْهَا، وَهُوَ كَوْنُهَا مَجَازًا وَمَعْبَرًا لَا مَحَلَّ سُكْنَى، وَهَذَا هُوَ بَاطِنُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ4 مِنَ التَّفْسِيرِ.
وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر} [الْمُدَّثِّرِ: 30] نَظَرَ الْكُفَّارُ إِلَى ظَاهِرِ الْعَدَدِ؛ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ, فِيمَا روي5: لأنه يعجز كل عشرة منكم أن
__________
1 سقطت {اتَّخَذَتْ بَيْتًا} من الأصل.
2 في الأصل: "الآله".
3 أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" "1/ رقم 281" عن ابن جريج به، وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره""1/ 41" عن قتادة به، وأخرجه الواحدي في "أسباب النزول" "ص14" عن عبد الغني بن سعيد الثقفي عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وذكر نحوه.
قال السيوطي في "لباب النقول" "19": "عبد الغني واه جدًّا"، وقال: "وذكر المشركين لا يلائم كون الآية مدنية". وانظر -لزامًا- "3/ 514".
وما بين المعقوفتين زيادة من الأصل.
4 وسيأتي له مزيد بسط في المسألة الثالثة من مبحث التعارض. "د".
5 أخرجه ابن جرير في "التفسير" "29/ 159" عن ابن عباس بإسناد ضعيف فيه مجاهيل.
وأخرجه عبد الرزاق في "التفسير" "2/ 2/ 329"، وابن جرير في "التفسير" "29/ 159-160"، وعبد بن حميد -كما في "الدر المنثور" "8/ 333"- عن قتادة به.

الصفحة 212