كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمَأْمُورَ بِهَا بَلِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ كُلَّهَا إِنَّمَا طُلِبَ بِهَا الْعَبْدُ شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النَّحْلِ: 78] .
وَفِي الْأُخْرَى: {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السَّجْدَةِ: 9] .
وَالشُّكْرُ ضِدُّ الْكُفْرِ؛ فَالْإِيمَانُ وَفُرُوعُهُ هُوَ الشُّكْرُ، فَإِذَا دَخَلَ الْمُكَلَّفُ تَحْتَ أَعْبَاءِ التَّكْلِيفِ بِهَذَا الْقَصْدِ؛ فَهُوَ الَّذِي فَهِمَ الْمُرَادَ مِنَ الْخِطَابِ، وَحَصَّلَ بَاطِنَهُ عَلَى التَّمَامِ، وَإِنْ هُوَ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ مُقْتَضَى عِصْمَةِ مَالِهِ وَدَمِهِ فَقَطْ؛ فَهَذَا خَارِجٌ عَنِ الْمَقْصُودِ، وَوَاقِفٌ مَعَ ظَاهِرِ الْخِطَابِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التَّوْبَةِ: 5] .
ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التَّوْبَةِ: 5] .
فَالْمُنَافِقُ إِنَّمَا فَهِمَ مُجَرَّدَ ظَاهِرِ الْأَمْرِ مِنْ أن الدخول فيما دخل فيه
__________
= وعزاه ابن حجر في "الإصابة" "4/ 59" إلى ابن منده، وللحديث شواهد من غير ذكر للآية فيه.
أخرجه نحو القصة المذكورة من حديث أنس عن رجل أحمد في "المسند" "3/ 146"، والطبراني في "المعجم الكبير" "22/ 300"، والبغوي والحاكم؛ كما في "الإصابة" "4/ 51"، وقال الهيثمي في "المجمع" "9/ 324": "رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح"، وأخرج نحوها الطبراني في "الأوسط" "2/ 516-517/ رقم 1887"، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب، وفيه إسماعيل بن قيس، وهو ضعيف، قاله الهيثمي في "المجمع" "3/ 113"، وعبد بن حميد عن جابر بن سمرة، وأخرج مسلم في "صحيحه" "2/ 665"، وأحمد في "مسنده" "5/ 18 و102"، والطيالسي "760 و761" وغيرهم من حديث جابر بن سمرة: "كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح".
وذكر ابن الأثير في "أسد الغابة" "1/ 221" أن اسم أبي الدحداح ثابت بن الدحداح وابن مردويه عن أبي هريرة وابن جرير في "تفسيره" "2/ 593" عن زيد بن أسلم مرسلًا.

الصفحة 220